هل يمكن للطماطم أن تنمو تحت الألواح الشمسية؟
تقنية أمريكية جديدة تُحدث ثورة في الزراعة الشمسية الذكية

مقدمة: عندما تلتقي أشعة الشمس بالغذاء والطاقة
في ظل تسارع الجهود العالمية لتحقيق الأمن الغذائي وخفض الانبعاثات الكربونية، برزت نظم الزراعة الشمسية (Agrivoltaics) كحل متكامل يُمكّن من استخدام الأرض لإنتاج الغذاء والطاقة في آنٍ واحد. لكن تجربة حديثة من الولايات المتحدة قد تدفع بهذا المفهوم إلى آفاق غير مسبوقة: ألواح شمسية شفافة لا تكتفي بتوليد الكهرباء، بل تُحفّز أيضًا نمو النباتات وتحسّن مذاقها! هذه الفكرة الثورية تقودها أبحاث أجراها المختبر الوطني للطاقة المتجددة (NREL)، التابع لوزارة الطاقة الأميركية، حيث طوّر فريق بحثي نوعًا جديدًا من الألواح الشمسية الشفافة المصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الضوئية للنباتات، وبالأخص… للطماطم.

“لا فوتون يُهمل”: كيف غيّرت NREL قواعد اللعبة؟
ضمن مشروع ابتكاري بعنوان “No Photon Left Behind”، صمّم باحثو NREL لوحات شمسية عضوية شبه شفافة مزوّدة بتقنية تُدعى BioMatch ، هذه التقنية لا تسمح بمرور الضوء بشكل عشوائي، بل تقوم بترشيح الطيف الضوئي المثالي للنبات، بناءً على احتياجاته الفسيولوجية، بينما تُحوّل الأطوال الموجية غير المفيدة للنبات إلى طاقة كهربائية. النتيجة؟ النباتات – وخاصة الطماطم – لم تنمُ فقط، بل نمت أسرع، وأكبر، وأفضل مقارنة بتلك التي تعرضت لأشعة الشمس الطبيعية الكاملة.
ضوء أقل… نتائج أقوى
قد يبدو مفاجئًا أن النباتات التي نمت تحت الألواح الشفافة تلقت ضوءًا أقل بنسبة 30% مقارنةً بتلك التي نمت في ضوء الشمس المباشر. لكن هذا الضوء كان “انتقائيًا” – يحتوي فقط على الأطوال الموجية التي تحفّز إنتاج السكر والبروتينات وتحفّز نمو النبتة بفعالية.
بحسب الكيميائي براين لارسون، المشرف على المشروع:
“عندما يتعرض النبات للضوء، يتم تفعيل مسارات فسيولوجية متعددة تعتمد على نوع وكثافة الضوء. عبر التحكم الدقيق بهذه العوامل، يمكننا تحسين إنتاجية النبات بشكل كبير.”
الطماطم الذكية تربح سباق النمو والمذاق
لم تقتصر تجربة NREL على القياسات البيولوجية فقط، بل شملت اختبارًا حسيًا حاسمًا: اختبار تذوق أعمى بين ثلاث مجموعات من الطماطم:
- طماطم نمت تحت ألواح BioMatch
- طماطم نمت تحت ضوء الشمس الكامل (مجموعة تحكّم)
- طماطم عضوية تجارية من السوق
وقد أظهرت نتائج اختبار التذوق مفاجأة لافتة: فقد حصلت الطماطم المزروعة تحت الألواح الشمسية (BioMatch) والطماطم المزروعة تحت أشعة الشمس المباشرة (مجموعة التحكّم) على تقييم متقارب وتصدرتا الترتيب، في حين جاءت الطماطم التجارية العضوية في المرتبة الأخيرة. هذا يدل على أن استخدام الضوء المُرشَّح لا يضر بجودة الطعم، بل قد يُساهم في تحسينه.
من النمو إلى الثورة: ماذا تعني هذه التقنية للزراعة الشمسية؟
تُمثّل هذه النتائج دفعة قوية لمجال الزراعة الشمسية، الذي يقوم على التعايش المتناغم بين الألواح الشمسية والمحاصيل الزراعية. فبدلاً من اعتبار الألواح الشمسية عائقًا أمام الإنتاج الزراعي، تثبت هذه التقنية أنها وسيط ذكي ومفيد للنبات. وتشير أبحاث موازية من جامعة Iowa State إلى أن محاصيل مثل الفراولة والكوسا تنمو بشكل أفضل بجوار الألواح الشمسية المتحركة، بسبب الظل الجزئي وتوازن درجات الحرارة.
مستقبل الزراعة الذكية: فرصة للدول العربية؟
تكتسب هذه التقنية أهمية خاصة في المناطق ذات المساحات الزراعية المحدودة والإشعاع الشمسي المرتفع – وهي صفات تنطبق على العديد من الدول العربية. إذا ما تم دمج الألواح الشفافة مع التخطيط الزراعي الذكي، فإن بالإمكان تحقيق:
- إنتاج طاقة متجددة محلية
- تحسين إنتاجية وجودة المحاصيل
- تقليل استهلاك المياه عبر تقليل التبخر
- تنويع دخل المزارعين وزيادة الاستدامة الاقتصادية
خلاصة: من لوحة شمسية إلى شريك زراعي
تُبرهن هذه الأبحاث أن التقنيات الشمسية لم تعد مجرد أدوات طاقة، بل يمكن أن تصبح شركاء فاعلين في منظومات الزراعة المستقبلية. إن تطوير ألواح شمسية تفهم “احتياجات النبات” يمثل ثورة مفاهيمية في الزراعة المستدامة، ويمنح قطاع الطاقة النظيفة فرصة جديدة للتكامل مع الأمن الغذائي.
هل نقترب من حقبة “الزراعة المُضاءة بذكاء”؟ يبدو أن الإجابة… نعم.
📚 المصدر:
National Renewable Energy Laboratory (NREL). “NREL develops translucent solar panels for bigger, better crops.” PV Magazine, July 2025.