هل يمكن لـ100 ألف بطارية منزلية أن تُشغّل شبكة كهرباء؟ تجربة كاليفورنيا تجيب

مقدمة: من المستهلك إلى المورّد… ثورة هادئة في عالم الطاقة
في ظل التغيرات المناخية المتسارعة والضغوط المتزايدة على الشبكات الكهربائية، باتت الحاجة ملحّة لإيجاد حلول ذكية ومرنة لإدارة الطلب وتوليد الطاقة. وفي طليعة هذه الحلول تبرز محطات الطاقة الافتراضية (Virtual Power Plants VPPs) التي تعتمد على موارد الطاقة الموزعة – كالبطاريات المنزلية – لتوفير دعم فوري وفعّال للشبكة، وفي تجربة رائدة على مستوى العالم، اختبرت ولاية كاليفورنيا مدى قدرة أكثر من 100,000 بطارية منزلية على العمل كمحطة طاقة واحدة متكاملة خلال أوقات الذروة.
فما هي نتائج هذه التجربة؟ وما الذي يمكن أن تعنيه لمستقبل الطاقة المستدامة؟
كيف أُجريت التجربة؟ وما أبرز نتائجها؟
في 29 يوليو، ومن الساعة 7 حتى 9 مساءً – وهي الفترة التي تشهد عادة انخفاض إنتاج الطاقة الشمسية وزيادة الأحمال على الشبكة – تم تشغيل البطاريات المنزلية على مستوى الولاية لتقديم دعم مباشر للشبكة.
وقد نجحت هذه البطاريات في توفير قدرة كلية بلغت 535 ميغاواط، وهو ما يعادل إنتاج محطة توليد متوسطة الحجم، وفقًا لتحليل صادر عن مجموعة Brattle للاستشارات.
تُظهر الصورة أدناه المقارنة بين يومين مختلفين في تشغيل البطاريات المنزلية في كاليفورنيا. يوم 29 يوليو – يوم الحدث يوضح كيف تم تفعيل البطاريات بين الساعة 7-9 مساءً لدعم الشبكة، في يوم 28 يوليو – يوم عادي يظهر النمط المعتاد للشحن والتفريغ. الفرق الواضح بين المنحنيين يثبت فعالية التنسيق الجماعي للبطاريات خلال أحداث محطة الطاقة الافتراضية.

كما توضح الصورة التالية الأثر الملموس لتجربة كاليفورنيا على شبكة الكهرباء. المنحنى بالخط المتصل (الحمل الفعلي) يظهر انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بالمنحنى بالخط المنقط (التقدير بدون حدث) خلال ساعات الذروة المسائية. هذه الفجوة التي تبلغ 535 ميجاواط تمثل الطاقة التي وفرتها البطاريات المنزلية، مما ساعد في استقرار الشبكة ومنع انقطاع التيار. الصورة تقدم دليلاً مرئياً على نجاح نموذج المحطة الافتراضية.

جاءت هذه التجربة كتمهيد لتشغيل البطاريات بشكل روتيني خلال موجات الحر المتوقعة في شهري أغسطس وسبتمبر، حيث يرتفع خطر حدوث انقطاعات كهربائية نتيجة زيادة الطلب على التكييف والتبريد.
من يقود هذا التحول؟ وما آليات التعويض؟
قامت شركتا Sunrun وTesla بدور “المجمّع” (Aggregator) للبطاريات المشاركة؛ حيث تولت Sunrun إدارة ثلثي السعة، في حين أشرفت Tesla على الثلث المتبقي. وقد أوضحت Sunrun أن البطاريات المنزلية التي تجمعها تمتلك القدرة على تقديم هذا الدعم الحيوي بشكل يومي، مؤكدة أنها تعوّض مالكي البطاريات بما يصل إلى 150 دولارًا عن كل موسم تشغيل، وهو ما يشكل حافزًا إضافيًا للانضمام إلى هذا النظام.
لكن ما هو التوليد الموزع؟ وما دور محطات الطاقة الافتراضية؟
يشير مصطلح “التوليد الموزع” (Distributed Generation) إلى إنتاج الطاقة الكهربائية عبر مصادر صغيرة وقريبة من نقاط الاستهلاك، مثل الألواح الشمسية على أسطح المنازل أو أنظمة بطاريات التخزين. وعلى عكس النمط التقليدي الذي يعتمد على محطات مركزية عملاقة، يُتيح هذا النموذج توزيعًا مرنًا ولامركزيًا للطاقة.
وللاستفادة المثلى من هذه الموارد الموزعة، ظهر مفهوم محطات الطاقة الافتراضية، والذي يعتمد على دمج آلاف من هذه المصادر الصغيرة – مثل البطاريات المنزلية – عبر منصات رقمية ذكية، تُنسّق بين عمليات الشحن والتفريغ بحسب احتياجات الشبكة. هذه المحطات الافتراضية لا تتطلب بنية تحتية ضخمة جديدة، بل تعتمد على الذكاء الجماعي للأجهزة المتصلة، لتقديم استجابة سريعة ومستقرة عند الحاجة، كما حدث في تجربة كاليفورنيا.
هل البطاريات المنزلية مؤهّلة لدور استراتيجي؟
ما ميّز هذه التجربة ليس فقط الحجم الهائل للبطاريات المشاركة، بل أيضًا ثبات الأداء وجودته، فقد أظهر تحليل Brattle أن الإخراج الكهربائي من هذه البطاريات كان منتظمًا وخاليًا من التذبذبات أو التراجع في الأداء، وهي نقطة محورية في إثبات قدرة محطات الطاقة الافتراضية على تقديم أداء موثوق ومستقر على نطاق واسع.
كيف دعمت البرامج الحكومية هذا الإنجاز؟
قرابة 90% من البطاريات المشاركة كانت منضوية تحت مظلة برنامج دعم الشبكة من جانب الطلب (Demand-Side Grid Support) في كاليفورنيا، والذي يمنح حوافز مالية للمستهلكين مقابل تقليل استهلاكهم أو توفير مصادر احتياطية أثناء الظروف الاستثنائية من مايو إلى أكتوبر. هذا البرنامج لا يهدف فقط إلى تحفيز المشاركة، بل يسهم مباشرة في تقليل خطر الانقطاعات الدورانية التي قد تلجأ إليها السلطات خلال الأزمات، ما يجعله ركيزة مهمة في استراتيجية الولاية لأمن الطاقة.
ما الرسائل التي توجهها هذه التجربة لمشغّلي الشبكات؟
أكدت مجموعة Brattle أن هذه التجربة تمثل نموذجًا قويًا لإمكانية الاعتماد على البطاريات المنزلية في تقديم دعم شبكي بمستوى يُعتدّ به ضمن عمليات التخطيط على المدى الطويل. وقالت المجموعة في بيانها:
“إن حجم القدرات التي توفرها البطاريات المنزلية وحدها في كاليفورنيا مذهل، ومن المتوقع أن يتضاعف في المستقبل القريب. ويُفترض أن تعزز مثل هذه التجارب ثقة مشغلي الشبكات في قدرة محطات الطاقة الافتراضية على تقديم أداء يمكن الاعتماد عليه على نطاق واسع.”
هل نحن أمام نموذج عالمي جديد لإدارة الطاقة؟
في أواخر عام 2023، دعا الخبير المعروف في قطاع الطاقة الشمسية جيغار شاه إلى تبني محطات الطاقة الافتراضية كخيار استراتيجي في ظل التغيرات في سياسات صافي القياس .(Net Metering) وتُظهر تجربة كاليفورنيا أن مستقبل الطاقة لن يعتمد فقط على منشآت مركزية ضخمة، بل على شبكات مرنة تقودها منازل ذكية ومجهزة ببطاريات قادرة على تغذية الشبكة عند الحاجة.
خاتمة: البطاريات المنزلية… من وحدات دعم ذاتي إلى أعمدة للشبكة الذكية
لم تعد البطاريات المنزلية مجرد أدوات لتخزين الطاقة الشمسية الفائضة، بل باتت جزءًا حيويًا من الحلول المتقدمة لمستقبل الشبكات الكهربائية. التجربة الناجحة في كاليفورنيا تؤكد إمكانية تحويل المستهلك إلى مساهم فاعل في أمن واستقرار الشبكة، كما تمهد الطريق أمام تبنّي هذا النموذج في أسواق أخرى، خاصة في الدول التي تعاني من اختلالات في التوليد أو ارتفاع في الطلب الموسمي. ومع استمرار التطور في تقنيات التخزين وبرامج التحفيز، فإن محطات الطاقة الافتراضية مرشحة لأن تصبح العمود الفقري لشبكات كهرباء أكثر ذكاءً واستدامةً ومرونةً.
📚 المصدر:
“The Brattle Group (2024). “100,000 residential batteries in California tested as one distributed power plant