الإستدامةتقارير

آفاق التحول الطاقي العالمي حتى عام 2050: رؤية تحليلية لتقرير New Energy Outlook 2025

يعد الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050 هدفًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في إطار التصدي للتغيرات المناخية العالمية. ورغم الطموح الكبير لهذا الهدف، فإن تحقيقه يتطلب استثمارات ضخمة وتقنيات مبتكرة، وهو ما يسلط تقرير “New Energy Outlook 2024”  الصادر عن BloombergNEF الضوء عليه. يتجاوز التقرير مجرد تقديم التوقعات الرقمية، ليعرض خارطة طريق ضرورية تتطلب جهودًا منسقة ومكثفة من جميع الأطراف المعنية – الحكومات، الشركات، والمجتمع الدولي بأسره.

  1. استثمارات ضخمة لتلبية هدف 2050

يوضح التقرير أن الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري يتطلب استثمارًا هائلًا يفوق التوقعات السابقة. تُقدر الاستثمارات اللازمة بحوالي 215 تريليون دولار أمريكي في التقنيات والقطاعات ذات الصلة على مدار الثلاثة عقود القادمة. هذه الاستثمارات لا تقتصر على الطاقة المتجددة فحسب، بل تمتد لتشمل تطوير البنية التحتية مثل شبكات الكهرباء الذكية، الهيدروجين الأخضر، أنظمة التخزين بالبطاريات، فضلاً عن تحديث الصناعات الملوثة.

مستقبل الانبعاثات: بين جمود الواقع وطموح الحياد الكربوني

يُقدّم الرسم البياني أدناه تحليلًا مفصّلًا لحجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية مقاسةً بمليارات الأطنان، مع التركيز على مقارنة بين مسارين رئيسيين للتنمية. المسار الأول يحمل عنوان “بدون تحوّل”، وهو سيناريو افتراضي يستند إلى فرضية استمرار الوضع الراهن دون أي تحسينات في مجال خفض الانبعاثات أو تعزيز كفاءة الطاقة، حيث يشمل آليات مثل أنظمة تداول الانبعاثات وسيناريو الحياد الكربوني 2024.

أما المسار البديل فيتمحور حول “إزالة الكربون”، ويطرح حزمة متكاملة من الحلول الاستباقية تشمل: تعزيز كفاءة الطاقة، التحول لأنواع وقود أقل تلويثًا، الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة (المتجددة والنووية)، التوسع في مشاريع التكهرب، تحسين نظم التدفئة، الاستفادة من طاقة الكتلة الحيوية، تطوير تقنيات الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى حلول احتجاز وتخزين الكربون.

يستند هذا التحليل الشامل إلى بيانات ودراسات وكالة BloombergNEF المتخصصة، مع وجود توضيحات منهجية دقيقة تشرح منهجية التصنيف وآليات القياس. تبرز هذه المقارنة الأهمية الاستراتيجية للتحول السريع نحو سياسات الطاقة النظيفة واعتماد التقنيات الحديثة لتحقيق أهداف الحياد الكربوني العالمية، خاصة في ظل التحديات المناخية المتزايدة.

CO2 emissions reductions from fuel combustion by measures adopted, Economic Transition Scenario versus ‘no-transition’ scenario and Net Zero Scenario

توزيع الاستثمارات حسب القطاعات

  • الطاقة المتجددة:  يعد الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح محوريًا لتحقيق تحول الطاقة المستدامة. يُتوقع أن تحتاج هذه المجالات إلى نحو 22.7 تريليون دولار.
  • البنية التحتية للطاقة الذكية:  لتكامل الطاقة المتجددة مع الأنظمة التقليدية، تُتوقع استثمارات قدرها 24.1 تريليون دولار في تطوير الشبكات الذكية.
  • الهيدروجين الأخضر:  يُعتبر الهيدروجين الأخضر أحد الحلول الرئيسية للقطاعات صعبة التحويل مثل النقل الثقيل والصناعات الأساسية. لذلك، يُتوقع أن يستقطب هذا المجال استثمارات ضخمة.
  1. تسريع نشر التقنيات الأساسية

يشير تقرير BloombergNEF إلى أن الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري يعتمد بشكل رئيسي على تسريع وتيرة نشر تقنيات أساسية ستشكل حجر الزاوية لهذا التحول، بما في ذلك:

  • الطاقة المتجددة:  تظل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في صدارة التقنيات الرئيسية لتوليد الكهرباء النظيفة.
  • السيارات الكهربائية:  على الرغم من التقدم المستمر في هذا القطاع، يتطلب التحول الكامل إلى النقل الكهربائي تقليص تكاليف البطاريات بشكل أكبر وتحسين الإنتاجية.
  • أنظمة التخزين بالبطاريات:  من الضروري استثمار المزيد في تقنيات التخزين على المدى الطويل لمواجهة تقلبات إمدادات الطاقة المتجددة.
  • الاحتجاز والتخزين الكربوني (CCS) : يمثل هذا الحل التقنية الرئيسية لتقليص انبعاثات الكربون الناتجة عن الصناعات الثقيلة، مثل الفولاذ والأسمنت.
  1. القطاعات الأكثر تأثيرًا

يركز التقرير على القطاعات التي سيكون لها أكبر دور في تقليص الانبعاثات:

  • قطاع الطاقة:  يعتبر هذا القطاع الأكثر تأثيرًا في تقليل الانبعاثات، إذ من المتوقع أن يسهم بنحو 50% من الانخفاضات المطلوبة.
  • قطاع النقل:  يسهم التحول نحو السيارات الكهربائية والنقل العام الذي يعتمد على الطاقة النظيفة في تحقيق خفض كبير في الانبعاثات.
  • قطاع البناء والمباني:  يمثل الانتقال إلى المباني ذات الكفاءة الطاقية العالية أحد المحاور الأساسية في تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري، باستخدام تقنيات مثل الألواح الشمسية المتكاملة مع البناء.
  • أما قطاع الصناعة، الذي يمثل تحديًا كبيرًا، فيتطلب تحولًا جذريًا نحو الطاقة النظيفة في عمليات الإنتاج، لا سيما في الصناعات التي تشهد انبعاثات عالية مثل الفولاذ والأسمنت.
  1. التحديات الجيوسياسية والاقتصادية: رؤية مستقبلية

يتطرق التقرير إلى التفاوتات الواضحة في التزامات الدول بشأن التغير المناخي. على الرغم من الجهود المبذولة من قبل دول مثل المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وأستراليا لتحقيق أهدافها المناخية، إلا أن دولًا أخرى مثل الصين، وإندونيسيا، وفيتنام تواجه تحديات أكبر نظرًا لاعتمادها على الوقود الأحفوري.

العدالة المناخية تعد من المحاور الرئيسية التي يجب مراعاتها لضمان انتقال عادل إلى اقتصاد منخفض الكربون، حيث يتطلب النجاح في هذا التحول تخصيص استثمارات كبيرة لدعم الدول النامية، مما يمكنها من تحقيق تحول طاقي يواكب النمو الاقتصادي دون التأثير على قدرتها التنموية.

  1. تكلفة التأجيل وتأثيراتها الاقتصادية

يؤكد التقرير أن التأجيل في اتخاذ خطوات مناخية حاسمة قد يؤدي إلى تكاليف اقتصادية باهظة. في أسوأ السيناريوهات، قد تصل الأضرار إلى 59  تريليون دولار بحلول 2050. تشمل هذه التكاليف خسائر الإنتاج الزراعي، وتدمير الممتلكات نتيجة للكوارث الطبيعية المتزايدة، وتأثيرات التغير المناخي على الإنتاجية الاقتصادية.

  1. الطريق إلى الأمام: التنفيذ الفعّال

إذا كان الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول 2050 هدفًا قابلًا للتحقيق، فإن النجاح في هذا المسعى يتطلب تنسيقًا بين السياسات الحكومية، الابتكار التكنولوجي، والاستثمارات المالية. يجب اتخاذ خطوات عملية وفورية لتعزيز نشر التقنيات المبتكرة، وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال لضمان تبني أوسع للطاقات المتجددة في مختلف البلدان.

الخاتمة

في حين يظل هدف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول 2050 طموحًا ضخمًا، فإن الأدوات اللازمة لتحقيقه أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ومع وجود تحديات جسيمة، يشير تقرير BloombergNEF إلى أن العالم يمتلك القدرة على الانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون، شريطة أن تكون هناك استثمارات كبيرة في التقنيات المناسبة وتنسيق عالمي فعّال. إن تحقيق هذا التحول الطاقي لا يقتصر على تقليل الانبعاثات، بل يفتح أمامنا فرصًا جديدة للنمو الاقتصادي المستدام، والابتكار التكنولوجي، وخلق وظائف خضراء مستقبلية.

للاطلاع على مصدر المقال من هنا

 

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري