اخر الأبحاثالإستدامةالطاقة الشمسية

هل يمكن دمج الألواح الشمسية مع حصاد مياه الأمطار لتوفير الطاقة والمياه معًا؟

مقدمة

في ظل تصاعد أزمات المياه والطاقة على مستوى العالم، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة مثل منطقة الساحل الأفريقي، يطرح العلم حلولًا مبتكرة تجمع بين مصادر متعددة لتحقيق الأمن المائي والطاقة المستدامة. من أبرز هذه الحلول نظام جديد يجمع بين الألواح الشمسية الكهروضوئية (PV) وحصاد مياه الأمطار، حيث يمكنه تزويد الأسر بالكهرباء والمياه معًا، بل ويصل إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر.

ابتكار يجمع بين الطاقة والمياه

يقترح فريق بحثي أوروبي منظومة هجينة تجمع بين توليد الكهرباء عبر الألواح الشمسية الثابتة وجمع مياه الأمطار التي تتساقط عليها. الفكرة بسيطة وفعالة: يتم تركيب مزاريب أسفل كل مصفوفة شمسية لتجميع مياه الأمطار وتوجيهها إلى نظام تنقية وتخزين، مما يحول مساحة توليد الكهرباء إلى مصدر مزدوج يوفر أيضًا المياه، سواء للاستخدام المنزلي أو لإنتاج الهيدروجين عبر التحليل الكهربائي.

تصميم تقني مدروس بعناية

The solar energy and water harvesting system Image: Acacia Water, Water-Energy Nexus, CC BY 4.0

اعتمد الباحثون في تصميمهم على:

  • زاوية ميل ثابتة للألواح الشمسية تسمح بتدفق المياه إلى المزاريب.
  • خسارة مائية تقدر بـ1 ملم على سطح اللوح بسبب التبخر أو الاحتباس.
  • معامل جريان مائي بنسبة 90%، أي أن 90% من مياه المطر الساقطة تُجمع فعليًا.
  • خسارة أولى بـ3 ملم تُهدر من المياه التي تسقط أولًا على اللوح بعد الجفاف، بسبب احتمالية تلوثها بالأتربة.

تربط المزاريب بين الألواح ومنظومة فرعية لنقل المياه إلى خزانات، حيث تتم عملية الترشيح والتخزين.

البيئة المستهدفة: الساحل الأفريقي وما حوله

تركزت الدراسة على منطقة الساحل، التي تشمل بلدانًا مثل: موريتانيا، السنغال، النيجر، نيجيريا، السودان، إثيوبيا، مالي، تشاد، وبوركينا فاسو، إلى جانب أجزاء من السعودية واليمن وعُمان. ويُعرّف “الساحل الحقيقي” بأنه المنطقة التي يتراوح فيها معدل الهطول السنوي للأمطار بين 150 و850 ملم.

The rainwater harvesting potential of 4.5 kWh PV panels Image: Acacia Water, Water-Energy Nexus, CC BY 4.0

اعتمد الفريق في حساباته على بيانات الأرصاد الجوية والتي تشمل الإشعاع الشمسي والأمطار، لتقدير إنتاج الطاقة وكميات المياه الممكن جمعها.

تقديرات أداء النظام: طاقة كافية ومياه داعمة

أظهرت نتائج التحليل أن النظام قادر على تغطية كامل احتياجات الكهرباء المنزلية في معظم مناطق الساحل. كما يمكن أن يغطي ما يصل إلى 7% من الطلب اليومي على المياه المنزلية في المناطق الجنوبية من الساحل. في المناطق الرطبة جنوب الساحل، يمكن أن تتجاوز النسبة 20%  بسبب ارتفاع معدل الهطول وكبر مساحة الألواح. أما في مناطق الصحراء الكبرى، فقد كانت الحصيلة المائية سالبة، بسبب قلة الأمطار والحاجة المتكررة لتنظيف الألواح، ما يجعل النظام غير فعّال هناك من الناحية المائية، وإن كان ما زال يُنتج الكهرباء.

من الكهرباء إلى الهيدروجين: توسيع نطاق الاستخدام

أحد أهم أوجه الاستخدام التي استكشفها الباحثون هو إنتاج الهيدروجين الأخضر.  حسب التحليلات، يمكن للنظام في جنوب الساحل توفير الطاقة والمياه اللازمة لإنتاج 1 كغ من الهيدروجين يوميًا عبر التحليل الكهربائي، مع فائض من مياه الأمطار يكفي لتغطية 50% من احتياجات المياه المنزلية. بل في بعض المناطق مثل نيجيريا وبنين وبوركينا فاسو، يمكن لهذا الفائض أن يتجاوز 100%  من الاحتياجات اليومية، ما يفتح المجال لاستخدام المياه في الزراعة أو التطبيقات الأخرى.

الآثار المحتملة على الأمن المائي والطاقة

يرى الباحثون أن دمج تقنيات الطاقة الشمسية مع حصاد المياه قد يُحدث تحولًا كبيرًا في طريقة تصميم البنية التحتية في المناطق الجافة، حيث تندر الموارد وتتزايد الحاجة إلى حلول مستدامة. يقول الباحث الرئيسي د. Maarten J. Waterloo : “دراسات قليلة فقط تناولت جمع مياه الأمطار من الألواح الشمسية، ولا تزال البيانات العلمية المتوفرة شحيحة.”

هذا الابتكار يُعد إضافة نوعية للنقاش حول الاقتصاد الدائري والاستفادة المثلى من الموارد، ويقدم نموذجًا يمكن توطينه وتعديله حسب احتياجات وخصائص كل منطقة.

جهات البحث والمصدر العلمي

نُشرت نتائج البحث في مجلة Water-Energy Nexus، وساهمت فيه كل من:

  • شركة Acacia Water  الهولندية للاستشارات المائية.
  • معهد IHE Delft  لتعليم المياه في هولندا.
  • مركز Cetaqua  الإسباني لتقنيات المياه والابتكار.

خاتمة: نحو مستقبل أكثر تكاملًا واستدامة

يمثل دمج الطاقة الشمسية مع حصاد مياه الأمطار حلاً مرنًا ومتكيفًا مع التحديات البيئية والاقتصادية، خاصة في المناطق التي تعاني من هشاشة البنية التحتية. وبينما يُعد هذا النظام واعدًا في سياق التغير المناخي وشح الموارد، فإنه يحتاج إلى دعم تقني وتمويلي كي يتحول من دراسة أكاديمية إلى واقع عملي يخدم المجتمعات.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا المقال مبني على الدراسة المنشورة بعنوان:
“Rainwater harvesting potential from photovoltaic energy systems in the Sahel”
في مجلة Water-Energy Nexus، والتي أعدها باحثون من كل من معهد IHE Delft ، وشركة Acacia Water  الهولندية، ومركز Cetaqua  الإسباني لتقنيات المياه.

الدراسة كاملةً على الرابط

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري