إدارة نفايات البطاريات في المملكة العربية السعودية
كيف نواجه التحديات ونبني حلولاً دائرية مستدامة؟

مقدمة
في ظل التحول العالمي نحو الاستدامة والاقتصاد الدائري، تتزايد التحديات المرتبطة بإدارة النفايات الإلكترونية، لا سيما بطاريات الليثيوم أيون وبطاريات الرصاص الحمضية المستخدمة في المركبات الكهربائية، ومحطات التخزين، والأجهزة المحمولة. تشهد المملكة العربية السعودية نموًا سريعًا في استهلاك هذه البطاريات، وهو ما يتطلب استجابة ممنهجة تجمع بين السياسات الفعالة، والتقنيات الحديثة، والتعاون بين القطاعات.
تقدم هذه المقالة تحليلًا للتحديات الهيكلية والمؤسسية والتقنية المرتبطة بإدارة نفايات البطاريات، مستندة إلى أحدث الأبحاث العلمية، مع تسليط الضوء على حلول قابلة للتطبيق مستوحاة من تجارب عالمية ناجحة.
التحديات الراهنة في إدارة نفايات البطاريات
- فجوة السياسات والتشريعات
لا توجد حتى الآن لوائح وطنية صارمة تنظم جمع وفرز وإعادة تدوير البطاريات، ما يترك ثغرات تشريعية تؤثر على سلامة البيئة والصحة العامة.
- البنية التحتية والتشغيل
تعاني المملكة من غياب مرافق معالجة مخصصة وموزعة جغرافيًا، إضافة إلى ضعف نظام نقاط الجمع، مما يؤدي إلى التخلص العشوائي من البطاريات مع النفايات المنزلية.
- تعقيد فصل المواد
تفكيك البطاريات لاستخلاص المعادن النادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل يتطلب تقنيات متقدمة وقدرات تشغيلية مرتفعة غير متوفرة بعد على نطاق واسع.
- هيمنة القطاع غير الرسمي
ما تزال أنشطة الجمع والمعالجة الأولية تُدار في كثير من الأحيان بوسائل غير رسمية، تفتقر إلى المعايير البيئية وتزيد من المخاطر الصحية.
تجارب عالمية ملهمة
النموذج الأوروبي
اعتمد الاتحاد الأوروبي في 2023 تشريعًا شاملاً للبطاريات يفرض مسؤولية ممتدة على المنتجين، ويُلزمهم بجمع بيانات دورة الحياة من خلال ما يسمى بـ”جواز السفر البيئي للبطارية”.
النموذج السويسري
تعتمد سويسرا على نظام رسوم متقدمة لإعادة التدوير (ARR) تُدفع عند الشراء، وتُستخدم لتمويل البنية التحتية للجمع والمعالجة، مع أكثر من 11,000 نقطة جمع منتشرة.

نموذج بلجيكا – BEBAT
تمثل BEBAT نموذجًا ناجحًا للتكامل بين القطاعين العام والخاص، عبر إدارة موحدة لعمليات الجمع، والتنسيق مع الجهات البلدية، وتنفيذ حملات توعوية شاملة للمستهلكين.

عوائق رئيسية أمام تطبيق اللوجستيات العكسية
تُعد اللوجستيات العكسية – أي تدفق المواد من المستهلك إلى المنتج لإعادة الاستخدام أو التدوير – حجر الزاوية في الاقتصاد الدائري. ومع ذلك، تواجه الشركات في المملكة والعالم عدة تحديات مصنّفة إلى:
- إدارية وتنظيمية: ضعف التزام الإدارات العليا، غياب المعايير، وندرة أدوات قياس الأداء.
- تشغيلية وتقنية: قلة الموارد المالية والتقنيات، وصعوبة بناء شبكات إرجاع فعّالة.
- استراتيجية واقتصادية: عائد استثمار منخفض، غياب استراتيجيات طويلة المدى، وضعف وعي المستهلكين.
خارطة طريق للحلول المستدامة
- تفعيل المسؤولية الممتدة للمنتج (EPR)
إلزام المصنعين والمستوردين بتحمل التكاليف البيئية المرتبطة بإدارة النفايات. - شراكات التمويل
تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتطبيق رسوم إعادة تدوير كما في النموذج السويسري. - هيكل مؤسسي متكامل
إنشاء كيان وطني مسؤول عن جمع البيانات، وتنظيم عمليات الجمع والمعالجة. - الابتكار التقني
الاستثمار في تقنيات التعدين الحضري، والتقنيات الهيدروميتالورجية والبيروميتالورجية لاستخلاص المعادن. - التثقيف والتوعية
إطلاق حملات توعوية، وتقديم حوافز مالية للمستهلكين مقابل إعادة البطاريات المستعملة.
توصيات ختامية
- إجراء مسح وطني شامل لتقييم كمية وأنواع نفايات البطاريات.
- تطوير نظام موحد لجمع البيانات الرقمية لتتبع التدفقات.
- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل المعرفة وبناء القدرات
إن إدارة نفايات البطاريات ليست مجرد تحدٍ بيئي، بل فرصة اقتصادية واستراتيجية لتسريع التحول نحو الاقتصاد الدائري؛ وذلك من خلال تبني إطار تنظيمي مرن، وتحفيز الشراكات، وتطبيق التقنيات المبتكرة، يمكن للمملكة – ولأي دولة نامية – أن تحقق نموذجًا مستدامًا ومتكاملًا لإدارة النفايات، يضمن حماية البيئة وتعزيز الأمن الصناعي والتكنولوجي.
مصدر المقال
هذا المقال مستند إلى الدراسة العلمية المنشورة في مجلة Cleaner Engineering and Technology بعنوان:
“Battery waste management in Saudi Arabia: Status, challenges and sustainable pathways”
🔗 ويمكن الاطلاع عليها عبر الرابط