الزراعة الكهروضوئية في البرازيل: الطاقة والغذاء ومنظور جديد لاستخدام الأراضي

مقدمة: حل مبتكر لتحديات الريف البرازيلي

لا تمثل الزراعة الكهروضوئية مجرد ابتكار تقني؛ بل تُعد رافعة حقيقية لتحويل الريف البرازيلي نحو نموذج أكثر استدامة وشمولًا. إذ تُقدّم هذه الأنظمة المزدوجة حلاً ذكياً لتحديات محورية في القرن الحادي والعشرين، مثل كفاءة استخدام الأراضي، ندرة المياه، فقر الطاقة، وانعدام الأمن الغذائي.

ما هي الزراعة الكهروضوئية؟ المفهوم والأسس التقنية

تعتمد أنظمة الزراعة الكهروضوئية على الاستخدام المتزامن للمساحات الزراعية لإنتاج الغذاء والطاقة الشمسية. يتم تركيب الألواح الشمسية على ارتفاع يسمح بنمو النباتات تحتها، ما يخلق بيئة ظليلة تحمي المزروعات من الإجهاد الحراري، وتقلل من تبخر المياه، وتحافظ على إنتاجية المحاصيل، كل ذلك بالتوازي مع توليد طاقة نظيفة ومتجددة.

علاقة تكافلية بين النبات والتقنية

تُنشئ هذه الأنظمة علاقة بيئية تكافلية: فالنباتات تُسهم في تبريد الألواح، مما يعزز كفاءتها، بينما توفر الألواح الظل للمحاصيل، ما يحسن استهلاك المياه ويحمي التربة من الجفاف. ويمكن للمزارعين الاستفادة من الطاقة المُنتجة محلياً أو بيعها للشبكة الوطنية، مما يوفر لهم مصدر دخل إضافي.

مشاريع رائدة في البرازيل: من الجامعات إلى المجتمعات الأصلية

• مشروع Agri-PV في ساو باولو

يقود هذا المشروع فريق من جامعة ساو باولو بالتعاون مع شركات طاقة، بهدف تطوير منصة بحثية قابلة للتكرار تربط بين الزراعة والطاقة وتدعم التكيف المناخي في القطاع الزراعي.

• مجتمع بانكارا الأصلي – إيتاكوروبا، بيرنامبوكو

نُفذ نظام زراعة كهروضوئية في حديقة مجتمعية لتوفير الطاقة لمضخات الري وحماية النباتات من الحرارة في منطقة الكاتينغا، مما عزز الأمن الغذائي والمائي للمجتمع المحلي.

• مشروع قصب السكر – جامعة الألغواس

كشف المشروع عن زيادات في إنتاجية المحاصيل تراوحت بين 6% و23% بفضل الظل الجزئي الناتج عن الألواح الشمسية، إلى جانب تحسين صفات النبات من حيث الطول ومساحة الأوراق.

• مشاريع ميناس جيرايس – نحو التوسع الذكي

تُجرى تجارب على أنماط تركيب مختلفة وتوليفات من المحاصيل والماشية بهدف تعظيم استخدام الأرض في البيئات شبه القاحلة، مع مؤشرات أولية إيجابية من حيث الجدوى الفنية والاقتصادية.

كفاءة المياه وتعديل المناخ المحلي

تُظهر الدراسات أن الألواح الشمسية يمكنها تقليل تبخر الرطوبة من التربة بنسبة تصل إلى 30%. كما أن الظل الناتج عنها يُخفّض درجات حرارة التربة والنباتات، مما يقلل من فقدان المياه عبر التبخر والنتح، وهو عامل حاسم في المناطق الجافة.

 التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية: أكثر من مجرد طاقة

تمثل الزراعة الكهروضوئية فرصة لتنويع مصادر دخل صغار المزارعين، إذ يُمكنهم استخدام الفائض من الطاقة في تشغيل مضخات المياه أو وحدات التبريد أو المشاريع الصغيرة. في ولاية الأمازون، أظهرت دراسة جدوى لنظام كهروضوئي عائلي أن المشروع يمكن أن يُحقق فترة استرداد استثمار لا تتجاوز 8 سنوات، مع عائد داخلي قدره 24.41%

مكاسب غير مباشرة

تتجاوز الفوائد الجانب المادي، لتشمل تعزيز الاستقلالية الطاقية، تحسين الأمن الغذائي، دعم التعاونيات المحلية، وتشجيع ريادة الأعمال الزراعية.

 التحديات: كيف نُحول الرؤية إلى واقع؟

التكاليف والتدريب التقني

يبقى ارتفاع التكلفة الأولية أحد أبرز العوائق أمام التوسع، خاصةً لصغار المنتجين. إلا أن التمويل الأخضر وخطوط الائتمان وصناديق المناخ مثل صندوق BNDES يمكن أن تُسهّل التبني التدريجي.

كذلك، يتطلب نشر هذه التقنية تدريب كوادر فنية تجمع بين المعرفة الزراعية والهندسة الشمسية، ما يستدعي تعاوناً مؤسسياً بين الجامعات، ومراكز التدريب التقني مثل SENAI وSENAR

 الحاجة إلى إطار تنظيمي داعم

يتطلب تبني الزراعة الكهروضوئية على نطاق واسع تطوير أُطر تنظيمية وتشريعية تعترف بها كنموذج هجين لاستخدام الأرض، وتوفر حوافز ضريبية مناسبة، وتُحدد مناطق أولوية للتطبيق، على غرار المبادرات في الهند وألمانيا.

التجارب الدولية: مؤشرات نجاح عالمية

• ألمانيا:  ارتفاع الإنتاج الزراعي الكلي (طعام + طاقة) بنسبة 186%.
• اليابان:  تحسين دخل صغار المزارعين في حقول الأرز والبساتين.
• الولايات المتحدة:  تطبيق النماذج في أريزونا وكولورادو مع أنظمة تتبع ذكية.
• فرنسا:  تقليص التبخر بنسبة 63% والحفاظ على جودة الثمار.
• إيطاليا:  حماية مزارع العنب الفاخرة خلال موجات الحر.

 تقنيات داعمة: الثورة الرقمية في خدمة الزراعة

تطورت أنظمة المراقبة لتشمل مستشعرات إنترنت الأشياء (IoT) لرصد رطوبة التربة، الإشعاع الشمسي، أداء الألواح، وإرسال البيانات لأنظمة ذكاء اصطناعي تُحسّن أداء النظام.

كما أصبحت تطبيقات الهواتف الذكية أداة رئيسية تُمكّن المزارعين من التحكم في النظام عن بعد، مما يُعزز كفاءتهم التشغيلية. وتُعد البطاريات ذات السعة العالية عنصراً أساسياً لتخزين الطاقة للاستخدام الليلي أو في الأيام الغائمة، كما يجري اختبار استخدام بطاريات الجرارات الزراعية كوحدات تخزين متنقلة.

 خاتمة: فرصة استراتيجية للبرازيل والعالم

تُمثّل الزراعة الكهروضوئية فرصة استراتيجية لإعادة تصور مستقبل الزراعة والطاقة، خصوصاً في بلدان مثل البرازيل التي تمتلك طاقة شمسية وفيرة وتنوعاً زراعياً واسعاً. التجارب الواقعية أثبتت أن هذه التقنية قابلة للتطبيق اقتصادياً واجتماعياً، حتى دون دعم حكومي مباشر.

لكي تتحول المشاريع التجريبية إلى حلول منهجية، لا بد من تنسيق الجهود بين الحكومة، الجامعات، القطاع الخاص، والمؤسسات المالية. الزراعة الكهروضوئية ليست مجرد اتجاه عابر؛ إنها ركيزة أساسية في طريق الاستدامة والسيادة الغذائية والطاقية.

🔍  المصدر:
Caneppele, F. (2024). Agrivoltaics in Brazil: energy, food and a new logic for land use. pv magazine. Retrieved from: https://www.pv-magazine.com