
استراتيجيات لتقليل المخاطر وتعزيز فرص النجاح
رغم الزخم العالمي نحو التحول إلى الطاقة النظيفة، إلا أن واقع تطوير مشاريع الطاقة المتجددة يواجه تحديات جذرية في مراحله الأولى، إذ تشير التقديرات إلى أن ما بين 70% إلى 90% من مشاريع الطاقة المتجددة في مراحلها المبكرة لا تصل إلى مرحلة التنفيذ، وفقًا لتقرير أصدرته منصة Paces المتخصصة في تطوير وتقييم مخاطر مشاريع الطاقة المتجددة.
هذا الرقم الصادم يعكس الفجوة بين الطموح المناخي والاستثماري من جهة، والواقع الفني والمؤسسي والمالي الذي يواجهه المطورون من جهة أخرى. فما الذي يجعل هذه المشاريع عرضة للفشل؟ وكيف يمكن تقليل المخاطر التي تعترض طريقها؟ يقدم تقرير Paces إجابات مفصلة ومقترحات عملية تستحق الوقوف عندها.
تحديات هيكلية في تطوير المشاريع النظيفة
تطوير مشروع طاقة متجددة ليس مجرد تركيب ألواح شمسية أو توربينات رياح، بل هو عملية معقدة تتطلب تنسيقًا بين عدد من المحاور الحساسة، تشمل:
- التحكم في الموقع: تأمين حقوق استخدام الأراضي لفترات طويلة.
- الربط الكهربائي: دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لربط المشروع بالشبكة.
- الحصول على التصاريح: استيفاء متطلبات الجهات التنظيمية، البلدية، والبيئية.
- القيود البيئية والتصميمية: تحليل الأثر البيئي وإعداد تصاميم أولية مرنة.
- الالتزام بالبرامج والسياسات: تلبية شروط حوافز الطاقة ومزايدات الشراء.
- ضبط الميزانية الرأسمالية: تحديد مدى الجدوى المالية في ظل عدم يقين عالي.
إن الفشل في أي من هذه المحاور قد يؤدي إلى إجهاض المشروع، حتى بعد استثمار وقت وموارد كبيرة.
فجوة المعلومات: مصدر الخطر الأول
يبرز التقرير أن السبب الجوهري وراء تعثّر أغلب المشاريع هو صعوبة الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة في المراحل الأولى. فالمعلومات العامة غالبًا ما تكون:
- مجزأة وغير متكاملة
- قديمة أو غير محدثة
- غير متاحة بشكل مفتوح
- أو تتطلب تكلفة عالية لجمعها وتحليلها
ويؤكد التقرير أن المطورين غالبًا ما يضطرون إلى “دفع المشروع للأمام” وتحمل تكاليف مبدئية فقط من أجل الحصول على الحد الأدنى من المعلومات المطلوبة لاتخاذ قرار بالاستمرار أو الانسحاب.
نموذج Paces: تقليل المخاطر بأقل تكلفة وفي أقرب وقت
لتجاوز هذا المأزق، طورت Paces نموذجًا معياريًا لتقييم المخاطر في المراحل المبكرة، يركز على:
استهداف أكبر قدر من المخاطر بأقل تكلفة ممكنة، في أقرب وقت ممكن من دورة حياة المشروع.
يُوصي النموذج بتخصيص الميزانية الأولية للمهام التي تؤثر بشكل مباشر على تقليل حالة عدم اليقين، مما يُسرّع من اتخاذ القرارات، ويمنع الإنفاق على مسارات غير مجدية.
خمس فئات رئيسية للمخاطر
حدد التقرير خمس فئات مركزية تمثل غالبية المخاطر التي تواجه المشاريع:
- السيطرة على الموقع: ملكية الأرض أو عقود الإيجار طويلة الأمد.
- الربط بالشبكة: توفر السعة في محطة التحويل القريبة وجدوى الربط.
- التصاريح: تعقيد الإجراءات وطول أمد الموافقات.
- القيود البيئية: وجود كائنات محمية، أراضٍ رطبة، أو مناطق فيضانية.
- الجدوى التصميمية: التحديات الهندسية في البنية التحتية والتوصيل.
معالجة هذه الجوانب مبكرًا تقلل من “مفاجآت الطريق” التي قد تؤدي لاحقًا إلى إيقاف المشروع أو تأخيره لسنوات.
أربعة أنماط متكررة لفشل المشاريع
استنادًا إلى بيانات من منصة التحليلات الكهربائية Arcada، صنّف التقرير أربعة أنماط شائعة تُسهم في فشل المشاريع المبكرة. لكل نمط منها، يوصي التقرير باستراتيجيات مخصصة:
- القيود البيئية
في المواقع القريبة من مناطق ذات حساسية بيئية (مثل المحميات أو المستنقعات)، يجب تنفيذ دراسات ميدانية مبكرة مثل تحديد نطاق الأراضي الرطبة أو تقييم الحياة البرية قبل استثمار أموال في إجراءات الربط أو التصاريح.
مثال: إجراء تقرير تفصيلي عن الأراضي الرطبة قبل دفع رسوم مراجعة الربط الكهربائي.
- تعقيد التصاريح والمجتمع المحلي
في المناطق التي تلعب فيها توجهات المجتمع دورًا في قبول أو رفض المشروع، يُنصح بالتواصل المبكر مع الجهات المحلية – من البلديات إلى أجهزة الإطفاء – لتقييم الموقف المجتمعي قبل الاستثمار في الدراسات الهندسية. المشاركة المجتمعية المبكرة قد توفر آلاف الدولارات، وتمنح المشروع قبولًا سياسيًا واجتماعيًا يسهل تنفيذه.
- التحديات التصميمية
قد تتوافر السعة الكهربائية، لكن قد تعوق مسارات خطوط التوصيل أو الحاجة إلى طرق وصول جديدة تقدم المشروع. لذا، يجب دراسة تكلفة وجدوى التصميم التنفيذي – من زوايا هندسية وقانونية.
على سبيل المثال: مسار خط الربط قد يتطلب موافقات من جيران أو إعادة تقسيم أراضي، مما يُعقد التنفيذ.
- شكوك حول سعة الربط
في بعض المناطق، تكون هناك قائمة انتظار طويلة على محطات الربط، لكن معظم المشاريع لا تكتمل. لذا فإن مجرد توفر بيانات “الطابور” لا تعني أن السعة حقيقية. هنا، يُوصى بترتيب اجتماع فني مبكر مع شركة الكهرباء لتحديد مدى جدوى السعة فعليًا. هذه الخطوة قد توفر نفقات ضخمة على دراسات الربط غير المجدية.
الختام: تحويل “عدم اليقين” إلى “ذكاء تطويري“
يرى تقرير Paces أن سر النجاح في مشاريع الطاقة المتجددة لا يكمن فقط في التمويل أو التكنولوجيا، بل في الذكاء المعلوماتي في مرحلة ما قبل التطوير. فبمساعدة بيانات مكانية دقيقة، وتصاميم أولية مرنة، ومعرفة بتعقيدات الترخيص والربط، يمكن تسريع المسار نحو مرحلة “الإذن بالتنفيذ” (Notice to Proceed – NTP) دون إهدار الوقت والموارد.
📌 المصدر:
Paces, Strategies for De-risking Early-Stage Renewable Energy Projects, عبر PV Magazine، نُشر في مايو 2024.