الإستدامةتقارير

صناعة الطاقة بين التفاؤل والتحديات: أبرز ما ورد في تقرير DNV 2025

يشكّل تقرير “DNV Energy Transition Outlook 2025” مرآة دقيقة لحال قطاع الطاقة العالمي في لحظة مفصلية من تاريخه، إذ يعكس مزيجًا من التقدّم الملموس والتحديات المعقدة في مسار التحول الطاقي نحو الاستدامة والحياد الكربوني. في نسخته التاسعة، يستعرض التقرير تطورات التقنيات، ديناميكيات السوق، والسياسات المؤثرة، ليؤكد أن العالم لا يسير بالوتيرة اللازمة لتحقيق أهداف اتفاق باريس، رغم التقدّم في بعض المحاور.

في هذا المقال، نستعرض أبرز ما ورد في التقرير من توقعات وتحليلات رقمية تغطي مزيج الطاقة، كهربة القطاعات، مسارات الانبعاثات، والاستثمارات، مع التركيز على ما يحمله ذلك من دلالات لصنّاع القرار والمختصين في مجالات الطاقة والمناخ.

  1. توقعات الطلب على الطاقة: ذروة تلوح في الأفق

وفقًا لتقرير DNV، من المتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على الطاقة ذروته عند 620  إكساجول في عام 2030، ثم يبدأ في الانخفاض ليصل إلى 610  إكساجول بحلول عام 2050.  هذا الاتجاه يعكس تحولًا تدريجيًا في أنماط الاستهلاك نتيجة التحسن في كفاءة استخدام الطاقة وتوسع الكهربة.

ورغم النمو السكاني العالمي من 8  مليارات نسمة اليوم إلى 9.5 مليار في عام 2050، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيتضاعف تقريبًا بحلول منتصف القرن، مدفوعًا بالتوسع الاقتصادي في البلدان النامية، ولا سيما في الهند وأفريقيا جنوب الصحراء.

لكن الجدير بالملاحظة أن معدل النمو السنوي للطلب على الطاقة ينخفض من 1.6%  في العقد الماضي إلى 0.4% فقط بين 2020 و2050، ما يدل على تغيرات هيكلية في أنماط الاستهلاك والتحول نحو خدمات منخفضة الكربون.

  1. كهربة القطاعات: التوسع الأكبر في التحول

تشكل كهربة القطاعات حجر الزاوية في التحول الطاقي. تشير التوقعات إلى أن نسبة الكهرباء من إجمالي الطلب النهائي على الطاقة سترتفع من 20% حاليًا إلى 38% بحلول عام 2050. هذا التحول مدعوم بانتشار واسع للطاقات المتجددة في توليد الكهرباء وانخفاض تكلفتها بشكل مستمر.

يشير التقرير إلى أن الطلب على الكهرباء سيرتفع بنسبة 134% بين عامي 2022 و2050، ليصل إلى 52 بيتاواط-ساعة سنويًا، مع مساهمة ضخمة من القطاعات الصناعية والنقل التي بدأت تستبدل الوقود الأحفوري بالكهرباء.

  1. مزيج الكهرباء في 2050: هيمنة الطاقة الشمسية والرياح

في تحول نوعي نحو الطاقة النظيفة، من المتوقع أن يتكون 83%  من مزيج الكهرباء العالمي في 2050 من مصادر خالية من الكربون، تتصدرها الطاقة الشمسية التي ستوفر وحدها 54%  من إنتاج الكهرباء، تليها طاقة الرياح بنوعيها (البرية والبحرية) بنسبة مجمعة تبلغ 35%

أما الفحم، فسيتراجع إلى أقل من 4%  من توليد الكهرباء بحلول 2050، في حين تحتفظ الطاقة النووية بحصة ثابتة نسبيًا تبلغ 5%.

  1. النقل والتحول نحو الكهرباء

يشير التقرير إلى تقدم كبير في كهربة قطاع النقل، حيث يُتوقع أن تُشكّل المركبات الكهربائية 36% من أسطول السيارات العالمي بحلول عام 2030، وترتفع النسبة إلى 82%  في 2050. ومع ذلك، فإن النقل البحري والجوي لا يزالان يمثلان تحديًا أكبر بسبب بطء التطور في تقنيات الوقود النظيف لهذين القطاعين.

  1. الاستثمارات: فجوة مزمنة بين الواقع والمطلوب

أحد أبرز التحذيرات في التقرير يتمثل في الفجوة الاستثمارية التي تعيق تحقيق الأهداف المناخية. تشير التقديرات إلى أن:

  • الاستثمار السنوي في الطاقة الشمسية والرياح بحاجة إلى الارتفاع من 630 مليار دولار اليوم إلى 1.4 تريليون دولار بحلول 2050.
  • استثمارات الوقود الأحفوري ستتراجع من 900 مليار دولار سنويًا حاليًا إلى حوالي 400 مليار دولار في منتصف القرن.
  • الاستثمار في البنية التحتية الكهربائية سيبلغ 1.5 تريليون دولار سنويًا بحلول 2050.

لكن حتى هذه الاستثمارات لا تكفي لتحقيق الحياد الكربوني، ما يفتح الباب أمام أهمية تسريع الابتكار والتمويل الأخضر.

  1. فجوة الانبعاثات وتحدي الوصول إلى هدف 1.5 درجة

على الرغم من التقدم في حصة الكهرباء النظيفة، إلا أن العالم لا يزال بعيدًا عن مسار الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية. إذ يتوقع التقرير أن تبلغ انبعاثات غازات الدفيئة العالمية في عام 2050 حوالي 13 مليار طن من CO₂ سنويًا، أي أعلى بكثير من المستوى المطلوب لتحقيق الحياد الكربوني.

ويحذر التقرير من أن السياسات المناخية الحالية تقود العالم نحو احترار يبلغ 2.2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، ما يضع الكوكب في مسار محفوف بالمخاطر المناخية والاقتصادية.

  1. الحاجة إلى تسريع وتيرة السياسات والابتكار

يشدد تقرير DNV على أن تسارع الابتكار وحده لا يكفي؛ بل يجب أن يُقابل بسياسات حازمة وحوافز مالية وتشريعية تدفع نحو تسريع الانتقال الطاقي. تشمل الأولويات:

  • إزالة الحواجز أمام نشر الطاقة المتجددة.
  • تعجيل الربط البيني الكهربائي على المستوى الإقليمي والدولي.
  • تعزيز استثمارات الهيدروجين الأخضر واستخداماته الصناعية.
  • دعم تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (CCUS) وتكاملها في الصناعات الثقيلة.
  1. الرقمنة والذكاء الاصطناعي تمكّنان من اتباع نهج شامل لأنظمة الطاقة

يشير تقرير DNV 2025 إلى أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي (AI) تلعبان دوراً محورياً في تمكين تحول أكثر فعالية وشمولية لأنظمة الطاقة الحديثة. توضح الدراسة أن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التخطيط والتشغيل يمكن أن يرفع من كفاءة استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة، ويخفض التكاليف التشغيلية، كما يعزز من قدرة الشبكات على التكيف مع تقلبات الطلب والعرض.

ويبرز التقرير أن الأنظمة الذكية تتيح التنبؤ الأفضل بالطقس وأنماط الاستهلاك، مما يساهم في تحسين إدارة الطاقة وتخزينها، كما تسهل الرقمنة ربط مختلف القطاعات مثل الكهرباء والنقل والصناعة في منظومة طاقية متكاملة تعمل بتناغم، معززة بذلك الاستدامة والمرونة.

هذا التحول الرقمي لا يقتصر فقط على تحسين الكفاءة التشغيلية، بل يفتح آفاقاً جديدة للابتكار في نماذج الأعمال والاستثمار، مما يدعم تحقيق أهداف الحياد الكربوني وتسريع وتيرة الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

خاتمة: الواقع يفوق التوقعات التقنية… لكن التحدي سياسي وتمويلي

يرى تقرير DNV أن التقدم في التكنولوجيا ومزيج الطاقة يمضي قدمًا بثبات، لكنه لا يكفي وحده. إن فجوة التنفيذ تتطلب تحالفات بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتوفير التمويل، وتحديث الأطر التنظيمية، وتوجيه الاستثمارات نحو مجالات التحول الحيوية.

ويبقى السؤال المطروح أمام صنّاع القرار: كيف يمكن تحويل الرؤية التقنية الممكنة إلى واقع سياسي واقتصادي متحقق؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي التي سترسم ملامح مستقبل الطاقة العالمي.

للاطلاع على تفاصيل التقرير كاملاً من هنا

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري