هل تُمثل سلاسل توريد بطاريات التخزين بقيادة الصين تهديداً لأمن الطاقة العالمي؟

مقدمة: نظام حرج في قلب انتقال الطاقة العالمي
في ظل تصاعد التحولات الكبرى في نظم الطاقة العالمية نحو مصادر متجددة أكثر استدامة، تُعد أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (Battery Energy Storage Systems – BESS) عنصرًا حاسمًا لضمان استقرار الشبكات، خاصة مع تزايد الاعتماد على مصادر متقطعة مثل الطاقة الشمسية والرياح. ولكن، ومع هذا التوسع السريع، تبرز معضلة حيوية تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الطاقة العالمي، وهي هشاشة سلاسل التوريد التي تعتمد بدرجة مقلقة على التصنيع الصيني في أغلب المكونات الرئيسية لهذه الأنظمة.
حادثة “كامب ليجون”: نقطة تحوّل في فهم المخاطر
في ديسمبر 2023، تم إيقاف تشغيل نظام بطاريات طاقة في قاعدة “كامب ليجون” التابعة للبحرية الأميركية بعد أن تبيّن أنه يحتوي على مكونات تعود إلى شركة CATL الصينية – وهي أكبر شركة تصنيع بطاريات في العالم. هذه الحادثة لم تكن تقنية بحتة، بل كانت مؤشراً على تعقيد الجوانب الجيوسياسية والأمنية التي بدأت تتداخل مع سوق تخزين الطاقة، ودفعت وزارة الطاقة الأميركية إلى مراجعة شاملة لسلاسل التوريد الخاصة بأنظمة BESS

ما كشفته هذه الحادثة هو أن القرارات الاستثمارية المتعلقة بالبنية التحتية لم تعد مسألة فنية فقط، بل أصبحت تمس مباشرة أمن البُنى التحتية الحيوية للدولة. وفي هذا السياق، أطلقت وزارة الطاقة الأميركية تقريرها التحليلي الصادر في مارس 2024 بعنوان:
“Battery Energy Storage System Supply Chain Review”،
الذي يقدم فهماً عميقاً للتبعية المركزة لصناعة BESS، ويطرح توصيات استراتيجية للحد منها.
سيطرة صينية تكاد تكون مطلقة
وفقاً لتقرير وزارة الطاقة الأميركية، فإن الشركات الصينية تستحوذ على أكثر من 65% من مزودي أنظمة BESS المدرجين ضمن قائمة “Tier 1” العالمية. كما أن 10 من أصل 10 من كبرى الشركات التي تقدم أنظمة البطاريات العاملة في السوق الأميركية، هي إما شركات صينية بالكامل، أو تعتمد بشكل رئيسي على سلاسل إمداد من منشأ صيني.
وعلى سبيل المثال، تُعد شركة CATL الصينية المورّد الرئيس للخلايا لمعظم أنظمة البطاريات في العالم، بما فيها تلك المُركبة في مشاريع كبرى في الولايات المتحدة وأوروبا. والجدير بالذكر أن CATL مرتبطة تجاريًا بعدد من المدمجين الرئيسيين في السوق الأميركي، الأمر الذي يعقّد من إمكانية استبدالها دون تأثير كبير على السوق.
هذه السيطرة لا تقتصر على الخلايا فقط، بل تمتد إلى بقية مكونات النظام مثل:
- أنظمة إدارة البطاريات (Battery Management Systems – BMS)
- أنظمة تحويل الطاقة (Power Conversion Systems – PCS)
- أجهزة التحكم والاتصالات (SCADA, microcontrollers)
- برمجيات مراقبة الأداء والتحكم.
الهيكل المعقد لسلسلة التوريد: من المناجم إلى التطبيقات
تمتد سلسلة التوريد لأنظمة BESS عبر عدة مراحل تشمل:
- المواد الخام: الليثيوم، النيكل، الكوبالت، الجرافيت.
- تصنيع الخلايا والوحدات: يتم بنسبة كبيرة في الصين وجنوب شرق آسيا.
- دمج الأنظمة: غالبًا ما يتم في أسواق الوجهة (مثل الولايات المتحدة)، لكن باستخدام مكونات صينية.
- أنظمة التحكم والمراقبة: تعتمد بشكل متزايد على برمجيات ومكونات إلكترونية ذات منشأ أجنبي.
وفي الوقت الذي تُعد فيه مواد مثل الليثيوم مصدر قلق معروف بسبب تركز إنتاجها في دول معينة (مثل تشيلي وأستراليا)، فإن المشكلة الكبرى حالياً تكمن في مرحلة التحويل والتجميع والتكامل التقني، والتي تقع سيطرتها بشكل شبه كامل ضمن النطاق الصيني.
PCS وInverters : البنية التحتية التي لا يُلتفت لها كفاية
أنظمة تحويل الطاقة PCS، التي تشمل العاكسات ومحولات الجهد ومنظومات التبريد والتحكم، تشكل العمود الفقري التقني لأي نظام BESS. وتكشف قاعدة بيانات هيئة الطاقة في كاليفورنيا (CEC) أن:
- 69.4% من PCS المعتمدة مصدرها شركات صينية.
- 4.2% فقط من الشركات المعتمدة أميركية الأصل.

أما على مستوى السوق العالمي، فإن 71% من العاكسات الكهروضوئية (Inverters) تأتي من شركات صنّفتها الولايات المتحدة كـ “كيانات أجنبية مثيرة للقلق ” (FEOC)، وكلها تقريبًا شركات صينية.
تقاطع أنظمة BESS مع سوق الطاقة الشمسية
العديد من أنظمة BESS يتم دمجها مع مشاريع طاقة شمسية (PV + Storage)، مما يعقّد سلسلة التوريد أكثر. وفي هذا السياق، فإن الاعتماد على الصين ليس خيارًا بل واقعًا مفروضًا:
- الصين تهيمن على أكثر من 80% من سلسلة القيمة الشمسية العالمية، من السيليكون إلى الألواح الجاهزة.
- شركات مثل Sungrow وHuawei وGinlong Solis تُعد من الموردين الرئيسيين في السوق الأميركي والأوروبي.
الأمن السيبراني: الثغرة الخفية في سلاسل الإمداد
يتزايد القلق من أنظمة BMS وPCS المرتبطة بأنظمة مراقبة وتحكم تعتمد على الإنترنت، إذ يمكن أن تمثل منفذًا لاختراقات إلكترونية قد تُعطّل مشاريع تخزين الطاقة أو تُسرب بيانات حساسة.
تشير دراسة حديثة أجراها مختبر الطاقة الوطني الأميركي (NREL) إلى أن 85% من أنظمة BESS المُركبة في عام 2023 تحتوي على مكونات برمجية غير شفافة المصدر (proprietary black-box)، ما يجعل من الصعب تقييم نقاط الضعف فيها.
التصنيع المحلي: خطوات واعدة ولكن غير كافية
أطلقت الولايات المتحدة سلسلة مبادرات للتصنيع المحلي ضمن قانون الاستثمار في البنية التحتية (BIL) وقانون الحد من التضخم (IRA)، وبدأت شركات مثل Tesla Megapack وFluence ببناء منشآت جديدة لتجميع البطاريات وPCS محليًا.
لكن الواقع أن:
- التصنيع المحلي لا يزال يغطي فقط 10-15% من الطلب.
- لا توجد حتى الآن قدرة محلية كافية لتصنيع BMS أو وحدات PCS متكاملة بالجودة والسعة المطلوبة.
- بعض المشاريع تعتمد على تجميع محلي لمكونات مستوردة، دون أن تقلل من التبعية الحقيقية لسلاسل التوريد الصينية.
استنتاج: كيف نعيد تشكيل سلاسل الإمداد؟
يتطلب أمن الطاقة في عصر التخزين الكهربائي سياسات متعددة الأبعاد تشمل:
- تنويع الشركاء الدوليين: عبر بناء شراكات مع موردين من كوريا الجنوبية، الهند، أوروبا.
- إعادة توطين الصناعة: من خلال دعم التصنيع المحلي الكامل وليس التجميع فقط.
- الابتكار المفتوح: تعزيز الأبحاث في مجالات BMS وPCS المستقلة تقنيًا.
- أمن المعلومات والبرمجيات: تطوير معايير صارمة للبرمجيات والتحكم في الأنظمة الحساسة.
- تطوير قواعد بيانات شفافة: لتحديد مصدر كل مكون عبر سلسلة القيمة، مما يساعد على تقييم المخاطر بدقة.
كلمة أخيرة
أنظمة تخزين الطاقة تمثل مستقبل الطاقة المستدامة، لكن هذا المستقبل لن يكون آمناً أو مستداماً دون إصلاح جذري في سلاسل التوريد التي تحكم هذه الصناعة. ومن هنا، يصبح الحديث عن الاستقلال الطاقي مرهونًا بفك التبعية التقنية واللوجستية لمنظومة تعتمد – حتى الآن – على قلب الصين الصناعي.
📚 المصدر
وزارة الطاقة الأمريكية – تقرير سلسلة الإمداد في أنظمة تخزين البطاريات (BESSIE)، يناير 2025، رابط التقرير من هنا