الهيدروجين وتخزين الطاقة

هل يُمكن للهيدروجين أن يُحدث فرقاً حقيقياً في تحقيق الحياد الكربوني؟

في ظل التحولات الكبرى نحو أنظمة طاقة أكثر نظافة واستدامة، يبرز الهيدروجين كمصدر واعد لتحقيق الحياد الكربوني، خاصة في القطاعات التي يصعب تقليل انبعاثاتها الكربونية مثل الصناعة الثقيلة، والنقل طويل المدى، وتخزين الطاقة الموسمية. فكيف يمكن للهيدروجين أن يُسهم بفعالية في تحقيق أهداف الطاقة النظيفة، وما هي التحديات التي تواجه انتشاره؟

أولاً: ما هو الهيدروجين وكيف يُنتج؟

الهيدروجين ليس مصدراً جديداً للطاقة، لكن تقنيات إنتاجه واستخدامه شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة. ويُنتج الهيدروجين بعدة طرق تختلف في بصمتها البيئية:

  • الهيدروجين الأبيض: يوجد طبيعياً في باطن الأرض، وهو أنظف الأنواع بيئياً.
  • الهيدروجين الأخضر: يُنتج باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة عبر التحليل الكهربائي للماء، ويعد الخيار الأنظف ضمن البدائل الصناعية.
  • الهيدروجين الأزرق: يُستخرج من الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون الناتج.
  • الهيدروجين الوردي: يُنتج باستخدام الطاقة النووية.
  • الهيدروجين الرمادي: يُنتج من الوقود الأحفوري دون احتجاز للانبعاثات، وهو الأكثر تلويثاً.

تقنية Power-to-Liquid: تحويل الطاقة إلى وقود نظيف

إحدى أكثر التقنيات ابتكاراً في هذا المجال هي تقنية Power-to-Liquid (P2L)، والتي تُحوّل الكهرباء المتجددة إلى وقود سائل مثل الكيروسين الصناعي. وتتضمن العملية الخطوات التالية:

  1. استخدام المحللات الكهربائية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
  2. التقاط ثاني أكسيد الكربون المحايد مناخياً كمصدر كربوني.
  3. دمج الهيدروجين الأخضر مع الكربون لإنتاج الهيدروكربونات السائلة.
  4. تحويل الهيدروكربونات إلى كيروسين صناعي يمكن استخدامه في الطيران أو النقل الثقيل.

تُعد هذه التقنية حلاً فعالاً لقطاعات مثل الطيران والشحن البحري، حيث يصعب استخدام مصادر الطاقة المتجددة التقليدية.

الهيدروجين في الصناعة وتوليد الحرارة

العديد من العمليات الصناعية مثل التجفيف، التحميص، والمعالجات الحرارية تحتاج إلى درجات حرارة عالية لا يمكن توفيرها بالكهرباء فقط. هنا، يلعب الهيدروجين دوراً محورياً من خلال:

  • استبدال الوقود الأحفوري في العمليات الحرارية.
  • توفير حلول Power-to-Heat (P2H) التي تعتمد على تحويل فائض الكهرباء المتجددة إلى حرارة تُستخدم صناعياً.

الفوائد البيئية لاستخدام الهيدروجين

  • انبعاثات صفرية: خلايا الوقود الهيدروجينية لا تنتج سوى بخار الماء والحرارة.
  • تقليل البصمة الكربونية للنقل والصناعة: استخدام الهيدروجين في القطاعات التي يصعب تقليل انبعاثاتها يعزز من فرص تحقيق الحياد الكربوني.
  • تعزيز كفاءة الطاقة المتجددة: من خلال تخزين الفائض وتحويله إلى طاقة قابلة للاستخدام لاحقاً.

الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية

بالرغم من التحديات، يوفر الهيدروجين مجموعة من المزايا المهمة:

  • تنويع مصادر الوقود وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
  • خلق فرص عمل جديدة في سلاسل إنتاج وتوزيع الهيدروجين.
  • تعزيز أمن الطاقة الوطني من خلال تقليل الاعتماد على الواردات.

التشريعات والبنية التحتية: دور تنظيمي حاسم

يساهم تشريع AFIR الأوروبي في تسريع اعتماد الهيدروجين، من خلال:

  • إلزام الدول بتوفير محطات للتزود بالهيدروجين على الطرق بحلول 2030.
  • تعزيز البنية التحتية للشحن والهيدروجين.
  • تحسين أنظمة الدفع وتشجيع الاستخدام في قطاع النقل.

الهيدروجين كوسيلة لتخزين الطاقة واستقرار الشبكة

  • يُستخدم لتخزين الطاقة الموسمية وتوفير طاقة احتياطية في حالات الطوارئ.
  • يُساهم في امتصاص فائض الطاقة المتجددة وتحويلها إلى وقود يُستخدم لاحقاً، ما يقلل الهدر.

تحديات تطبيق الهيدروجين

رغم الآمال المعقودة عليه، تواجه مشاريع الهيدروجين عدة عقبات:

  • التكلفة العالية لتقنيات الإنتاج الأخضر.
  • البنية التحتية القديمة التي تتطلب تحديثاً مكلفاً.
  • مخاطر التآكل والتسرب في الأنابيب الناقلة للهيدروجين.
  • غياب الأطر التنظيمية الصارمة التي تضمن السلامة والكفاءة.

ولمواجهة ذلك، يتطلب الأمر استثمارات ضخمة، وتحديث السياسات، وتعاوناً دولياً لتطوير بنية تحتية متكاملة وآمنة.

خاتمة: هل الهيدروجين هو المستقبل؟

الهيدروجين ليس مجرد خيار طاقي جديد، بل هو ركيزة استراتيجية في خطط إزالة الكربون عالمياً. ومع تطور التقنيات وتكامل السياسات والاستثمارات، قد يصبح الهيدروجين حجر الزاوية في مستقبل الطاقة النظيفة، خصوصاً للقطاعات التي يصعب كهربتها.

📚  المصدر: تم إعداد هذا المقال بالاستناد إلى مدونة Montel بعنوان “ما هي فوائد الهيدروجين لتحقيق الحياد الكربوني؟”، المنشورة في أبريل 2025. للاطلاع على المقال الأصلي، يُرجى زيارة الرابط 

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري