هل تصبح بطاريات الليثيوم المستعملة جسراً نحو اقتصاد دائري؟

تراجع الأسعار، التشابه مع الطاقة الشمسية، ودور البطاريات المستعملة قبل التدوير
شهد قطاع تخزين الطاقة باستخدام بطاريات الليثيوم تطورًا مذهلًا خلال العقد الأخير، مدفوعًا بالطلب المتزايد على المركبات الكهربائية، وانتشار أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، واحتياجات مزارع الطاقة المتجددة واسعة النطاق إلى أنظمة لتقليل الفاقد وتحسين الموثوقية. اليوم، ومع الانخفاض الحاد في أسعار بطاريات الليثيوم، يبرز سؤال محوري: هل يمكن أن تؤدي البطاريات المستعملة (Second-life batteries) دورًا فعّالًا قبل إرسالها لإعادة التدوير؟
انخفاض أسعار البطاريات: منحنى يشبه الخلايا الشمسية
تمامًا كما انخفضت أسعار ألواح الطاقة الشمسية نتيجة لتحسين تقنيات التصنيع وزيادة الإنتاج العالمي، تشهد بطاريات الليثيوم انخفاضًا مشابهًا في الأسعار. ففي عام 2023، شكّلت المركبات الكهربائية ما يقرب من 80% من الطلب العالمي على هذه البطاريات، ما حفز المصنعين على توسيع نطاق الإنتاج وتحقيق وفورات الحجم، وبالتالي تخفيض التكاليف. وكما يوضح الشكل أدناه، فإن منحنيات خفض التكلفة لكلٍّ من وحدات الطاقة الكهروضوئية السيليكونية وبطاريات الليثيوم أيون متشابهة. تطور الإنتاج العالمي السنوي من وحدات الطاقة الكهروضوئية (بالجيجاوات، الأشرطة الزرقاء والمحور الأيسر)، والسعر السنوي المتوسط لوحدات الطاقة الكهروضوئية وبطاريات الليثيوم أيون بالنسبة لمتوسط السعر في عام 2010 (بالنسبة المئوية، النقاط الخضراء والبرتقالية على التوالي، المحور الأيمن) (بيانات من RenewEconomy، BloombergNEF، Fraunhofer ISE، IRENA).
هذا التراجع يفتح الباب أمام إمكانية الاستفادة من البطاريات التي تُحال إلى التقاعد بعد 5 إلى 8 سنوات من الاستخدام في السيارات، حيث لا تزال تحتفظ بقدرة كبيرة تجعلها مؤهلة للاستخدام في تطبيقات ثابتة مثل أنظمة تخزين الطاقة المرتبطة بالشبكات أو المنازل.

التطبيقات الثابتة للبطاريات المستعملة: فرصة غير مستغلة
تشير التجارب إلى أن البطاريات الخارجة من خدمة المركبات لا تزال قادرة على أداء وظيفي جيد في التطبيقات التي لا تتطلب كثافة طاقة عالية، كأنظمة تخزين الطاقة الشمسية المنزلية أو نظم دعم الشبكة الكهربائية. ومع تزايد تركيب أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح، خاصة في المناطق ذات الشبكات غير المستقرة أو الضعيفة، فإن الحاجة إلى حلول تخزين قصيرة الأجل تصبح ملحة، وهو ما قد تسده هذه البطاريات المستعملة بكفاءة.
غير أن الفجوة لا تزال كبيرة بين الواقع والإمكانات. الكثير من هذه البطاريات يتم إرسالها مباشرةً إلى مراكز التدوير، متجاوزين فرصة إعادة الاستخدام. يعود ذلك إلى أسباب متنوعة، من أبرزها تكلفة اختبارات السلامة والكفاءة، عدم توفر الضمانات، والتفاوت الكبير في توقعات السعر بين المالكين الأصليين للبطاريات والمشترين المحتملين في السوق الثانوية.
التقنيات والسياسات: ركيزتان لتمكين الاستخدام الثاني
بدأت شركات ناشئة في تطوير تقنيات متقدمة لاختبار البطاريات خلال دقائق بدلًا من ساعات، من خلال ما يعرف بتقييم “حالة الصحة” (SOH) هذه التقنيات تقلل من تكلفة الاختبار وتجعل إعادة الاستخدام مجدية اقتصاديًا.
في أوروبا، تُراهن الجهات التنظيمية على “جواز سفر البطارية” (EU Battery Passport) كأداة رقمية جديدة ستدخل حيّز التنفيذ بدءًا من فبراير 2027. سيحمل كل جواز بيانات دقيقة حول دورة حياة البطارية، من المواد الأولية إلى الاستخدام وإعادة التدوير، بما في ذلك عدد دورات الشحن والتفريغ، وسجلات الحوادث، والحالة الحالية للبطارية (جديدة، مستعملة، نفايات). تهدف هذه المبادرة إلى دعم الاقتصاد الدائري، وتعزيز الشفافية، وتسهيل عمل الجهات المعنية بإعادة التصنيع أو التدوير أو إعادة الاستخدام.
تجربة رائدة: أكبر مشروع عالمي لتخزين الطاقة باستخدام بطاريات مستعملة
في مايو 2024، أعلنت شركة ناشئة في كاليفورنيا عن تشغيل أكبر نظام لتخزين الطاقة في العالم باستخدام بطاريات مستعملة من السيارات الكهربائية. المشروع بقدرة 53 ميغاواط ساعة، يستخدم أكثر من 900 بطارية، ويخزن الكهرباء ويغذي الشبكة عند الحاجة. هذا المثال يسلّط الضوء على الإمكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا، لا سيما إذا توفرت البنية التحتية والدعم المالي والتقني المناسب.
التحديات الاقتصادية: فجوة التوقعات بين البائع والمشتري
من أكبر العقبات أمام السوق الثانوي للبطاريات هي الفجوة السعرية بين من يملك البطاريات ويرغب في بيعها (ويتوقع أحيانًا استرداد 50% من السعر الأصلي)، وبين شركات إعادة الاستخدام التي لا تستطيع دفع أكثر من 10-20% لتبقى مجدية اقتصاديًا. هذا التباين يعوق تقدم السوق، ويؤدي إلى إهدار موارد لا تزال صالحة للاستعمال.
توصيات: سياسات ذكية لتفادي التدوير المبكر
يحتاج القطاع إلى سياسات واضحة تُشجّع على إعادة الاستخدام قبل التدوير، منها:
- فرض قيود على التدوير المبكر للبطاريات الصالحة.
- توسيع نطاق مسؤولية المنتج (EPR) لتشمل نهاية دورة الحياة للبطارية.
- إتاحة بيانات نهاية الخدمة لجميع الأطراف المعنية.
- دعم مالي وتقني لتقنيات الفحص والتجديد.
- ربط السوق الأولية والثانوية من خلال منصات رقمية موحدة.
الخلاصة
إن الاستفادة من البطاريات المستعملة تمثل فرصة واعدة للربط بين الانتشار السريع للطاقة المتجددة، وتحديات إدارة النفايات الإلكترونية، ومتطلبات الاقتصاد الدائري. لكن هذه الفرصة لن تتحقق دون إرادة سياسية واضحة، وتشريعات ذكية، واستثمارات في البنية التحتية والفحوصات. وبينما تتقارب منحنيات انخفاض الأسعار بين الخلايا الشمسية وبطاريات الليثيوم، ربما آن الأوان لأن تتقارب أيضًا مسارات الاستدامة والتدوير الذكي، على نحو يضمن كفاءة الموارد وعدالة انتقال الطاقة.
📌 المصدر:
التقرير التحليلي بعنوان “Falling Li-ion battery prices mirror solar photovoltaics trends: Is there a role for second-life batteries before recycling?” – المنشور على الرابط