
يُعدّ الجفاف أحد أبرز التحديات المناخية التي تواجه منظومات الطاقة العالمية، ولا سيما تلك التي تعتمد على الطاقة الكهرومائية كمصدر رئيسي للكهرباء. فعلى الرغم من أن الطاقة الكهرومائية تُصنّف ضمن المصادر المتجددة والنظيفة، إلا أن اعتمادها المباشر على توفر المياه يجعلها عرضة لتقلبات الطقس وتراجع معدلات الهطول المطري.
في هذا المقال، نستعرض التأثيرات المتعددة للجفاف على الطاقة الكهرومائية، ونتناول أبرز التداعيات الاقتصادية والبيئية، إلى جانب استراتيجيات التكيّف الإقليمية، والدروس المستخلصة من تجارب دول مثل كاليفورنيا والبرازيل والدول الإسكندنافية، في ظلّ تصاعد تهديدات التغير المناخي.
العلاقة بين الجفاف وتوليد الطاقة الكهرومائية
يعتمد توليد الطاقة الكهرومائية على تحويل الطاقة الحركية للمياه المتدفقة أو المخزّنة في السدود إلى طاقة كهربائية عبر التوربينات. وتستلزم هذه العملية توفر كميات كافية من المياه في الأنهار أو الخزانات. لكن في حالات الجفاف الممتدة، تتناقص كميات الأمطار والتغذية المائية للنهر، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الخزانات وبالتالي تراجع القدرة الإنتاجية لمحطات الطاقة الكهرومائية.
في حالات متقدمة من الجفاف، قد تضطر بعض المحطات إلى الإغلاق الكامل، مما يُحدث نقصًا في إمدادات الكهرباء، ويجبر الدول على الاعتماد على مصادر بديلة غالبًا ما تكون أعلى تكلفة وأكثر تلويثًا للبيئة.
أثر الجفاف على إنتاج الكهرباء وأسواق الطاقة
أدى تراجع الهطول المطري خلال فترات الجفاف إلى انخفاض حاد في إنتاج الكهرباء من مصادر كهرومائية. فمثلًا، خلال الفترة ما بين 2011 و2017، تسببت موجة الجفاف في ولاية كاليفورنيا الأمريكية في تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية بشكل كبير، مما دفع الولاية إلى زيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي كمصدر بديل.
وفي البرازيل، حيث تشكل الطاقة الكهرومائية أكثر من 60% من مزيج الطاقة، أدى الجفاف المتكرر إلى أزمات طاقة حادة وزيادات كبيرة في أسعار الكهرباء، مع تداعيات مباشرة على الاقتصاد الوطني.
التداعيات الاقتصادية والبيئية لتراجع الطاقة الكهرومائية
- ارتفاع أسعار الكهرباء: يؤدي تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية إلى زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يرفع كلفة الإنتاج وينعكس على المستهلك النهائي بارتفاع الأسعار.
- زيادة الانبعاثات الكربونية: يعزز التحول نحو الفحم أو الغاز أو النفط من مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يتناقض مع أهداف التحول الطاقي والتزامات اتفاق باريس.
- تأثيرات على الزراعة والصناعة: يؤثر تراجع إمدادات الكهرباء والمياه على نظم الري الزراعي، ويؤدي إلى تراجع المحاصيل، كما تتعرض الصناعات إلى اضطرابات إنتاجية نتيجة انقطاع أو تقنين الكهرباء، ما ينعكس على الاقتصاد والمجتمعات المحلية.
استراتيجيات التكيّف مع الجفاف في أنظمة الطاقة الكهرومائية
- تحسين إدارة الخزانات: عبر تقنيات التحكم في التدفقات وإعادة التوزيع الموسمي للمياه، إلى جانب تعزيز تقنيات التنبؤ المناخي لاتخاذ قرارات استباقية.
- تنويع مصادر الطاقة: أحد أكثر الحلول فعالية يتمثل في تقليل الاعتماد على الطاقة الكهرومائية وحدها من خلال دمج الطاقة الشمسية والرياح والحرارية الجوفية ضمن المزيج الطاقي الوطني.
- تعزيز التخزين الكهربائي: تمثل محطات الضخ والتخزين حلاً فعالًا للتعامل مع تقلبات الإنتاج، من خلال تخزين الفائض في أوقات الذروة وضخه عند الحاجة.
- تطوير البنية التحتية للشبكات: تحسين مرونة الشبكات الكهربائية يُتيح دمج مصادر متعددة وتبادل الطاقة بين المناطق في أوقات النقص.
دروس من تجارب عالمية: من البرازيل إلى النرويج
- كاليفورنيا: اتجهت نحو تنمية قطاع الطاقة الشمسية وطورت قدرتها في التخزين باستخدام البطاريات الضخمة.
- البرازيل: بدأت في تنويع مزيجها الطاقي بإضافة طاقة الرياح والكتلة الحيوية، إلى جانب برامج لرفع كفاءة استخدام الطاقة.
- المنطقة الإسكندنافية: طبّقت استراتيجيات إقليمية ناجحة مثل التجارة العابرة للحدود في الكهرباء، والإدارة الذكية للخزانات، والدمج الفعّال مع الطاقة الحرارية والرياح.
دور التغير المناخي والتكنولوجيا في مستقبل الطاقة الكهرومائية
مع تصاعد آثار التغير المناخي، تزداد صعوبة التنبؤ بتوفر المياه. ومع ذلك، تسهم تقنيات النمذجة المناخية المتقدمة في تعزيز قدرة التخطيط للطوارئ في قطاع الطاقة. كما أن الابتكارات مثل التوربينات عالية الكفاءة والألواح الشمسية العائمة تفتح آفاقًا لتعزيز الأداء في ظل محدودية المياه.
نحو سياسات مستدامة للطاقة الكهرومائية
لضمان استدامة الطاقة الكهرومائية، من الضروري أن تعتمد الدول على:
- سياسات لإدارة الموارد المائية
- برامج دعم التنوع الطاقي
- استثمارات في الابتكار والتكنولوجيا
- تنسيق دولي في قضايا المياه والطاقة
خلاصة
الجفاف يُشكّل تهديدًا متزايدًا لمنظومات الطاقة الكهرومائية، مع تداعيات اقتصادية وبيئية تمتد إلى الزراعة والصناعة والمجتمعات المحلية. ويكمن الحل في مزيج من الإدارة الحكيمة للمياه، وتنويع مصادر الطاقة، والاستثمار في المرونة التكنولوجية والبنية التحتية.
التحدي واضح، لكن الاستجابة الذكية يمكن أن تضمن مستقبلًا مستدامًا للطاقة الكهرومائية في عالم يتغير مناخيًا بسرعة.
📚 المصدر:
Montel Energy (2024). How Do Droughts Affect Hydropower Generation