الإستدامةالطاقة الشمسية

هل تُمكّننا الخلايا الشمسية من إنتاج مياه الشرب في المناطق القاحلة؟

مقدمة: ابتكار في مواجهة أزمة المياه العالمية

رغم أن المياه تغطي أكثر من 70% من سطح الأرض، فإن نسبة المياه العذبة القابلة للاستخدام لا تتجاوز 0.3%. ومع تفاقم أزمات الأمن الغذائي والنمو السكاني وتغير المناخ، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن ما يقارب نصف سكان العالم سيعيشون في مناطق تعاني من شح المياه بحلول عام 2050.

تواجه تقنيات التحلية التقليدية تحديات بيئية واقتصادية كبيرة، من بينها استهلاك الطاقة العالية والانبعاثات الكربونية والمياه المالحة الناتجة. أما الحلول البديلة مثل حصاد مياه الأمطار أو إعادة استخدام المياه الرمادية، فتظل مقيدة بالعوامل المناخية والتكلفة والتعقيد البنيوي. في المقابل، تقدم تقنية حصاد المياه من الهواء الجوي (Atmospheric Water Harvesting AWH)  فرصة مبتكرة لتوفير مياه نظيفة ومستدامة، وخاصة عند دمجها مع مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية.

Atmospheric water generator Image: Fred the Oyster, Wikimedia Commons, CC BY-SA 4.0

الدراسة: تقييم ثماني تكوينات هجينة لحصاد المياه الجوي مدعومة بالطاقة الشمسية

في دراسة رائدة نُشرت في مجلة Case Studies in Thermal Engineering، قدّم الباحث Kamil Neyfel Çerçi  من جامعة طرسوس التركية تحليلاً مقارناً لأداء ثماني تكوينات هجينة تجمع بين:

  • عجلات مجففة (Desiccant Wheels)
  • مبادلات حرارية
  • وحدات تبريد انضغاطي
  • أنظمة كهروضوئية لتوليد الطاقة ذاتيًا
  • مبردات منخفضة التأثير المناخي

تهدف الدراسة إلى تطوير نظام ذاتي التشغيل بالكامل باستخدام الطاقة الشمسية، قادر على إنتاج المياه بتكلفة طاقة منخفضة وأثر بيئي محدود، مع اختبار أدائه في مناطق مناخية متنوعة.

مقاييس الأداء المدروسة:

اعتمدت الدراسة على عدة مؤشرات رئيسية، من بينها:

  • معامل الأداء الحراري
  • الكفاءة وفق القانون الثاني للديناميكا الحرارية
  • كفاءة حصاد المياه
  • المساحة المطلوبة للألواح الشمسية لتغطية استهلاك الكهرباء بالكامل

أهم النتائج: التكوين 8 يتفوّق بوضوح

أظهرت النتائج أن التكوين الثامن، والذي يجمع بين عجلتي تجفيف، مبادل حراري، واستعادة الحرارة المهدورة، هو الأكثر كفاءة على جميع الأصعدة:

  • أقل استهلاك للطاقة
  • أعلى كفاءة حصاد مائي (حتى 0.8 كغ/ك.واط.س)
  • أصغر مساحة مطلوبة للألواح الشمسية 20 إلى 23 م² عند 70°C
  • أفضل أداء في المناخ الحار والرطب المعتدل (W&MH)
  • إنتاج يومي يصل إلى 17 لتر/يوم تحت ظروف الصيف النموذجية في مرسين

وعند استخدام الحرارة المهدورة من مكثف وحدة التبريد، انخفضت الحاجة للطاقة الحرارية بنسبة تصل إلى 67%، ما يعزز من كفاءة النظام ويقلل الاعتماد على السخان الكهربائي.

أثر درجة حرارة التجديد واختلاف المبردات

كشفت التحليلات أن ارتفاع درجة حرارة التجديد من 70 إلى 100°C  يرفع الحمل التبريدي والاستهلاك الكهربائي، مما يؤدي إلى زيادة مساحة الألواح المطلوبة. ومع ذلك، فإن أنظمة استعادة الحرارة (التكوينات من 5 إلى 8) سجّلت أداءً أعلى بكفاءة طاقة أكبر.

وأظهرت الدراسة أن اختيار المبرد يؤثر على استهلاك الطاقة، ولكن في التكوينات التي تحتوي على عناصر استعادة حرارية (مثل المبادل الحراري والعجلة الثانية)، يقل تأثير نوع المبرد بشكل واضح، ما يجعل هذه التكوينات أكثر مرونة وتحملاً للمتغيرات.

تحليل مناخي وتطبيق عملي

تم اختبار أداء التكوين 8 في أربع مناطق مناخية:

  • معتدل 22°C، 50% رطوبة
  • معتدل ورطب 25°C، 75%
  • حار ورطب معتدل 35°C، 70%
  • حار وجاف 40°C، 27%

وأظهرت النتائج أن المناخ الحار والرطب المعتدل هو الأنسب لتشغيل النظام بكفاءة عالية، حيث تم تسجيل أعلى قيم لمعامل الأداء، وكفاءة حصاد المياه، ومعدل الإنتاج.

خاتمة: إمكانات واعدة لتوفير المياه بشكل لامركزي

توفر هذه الدراسة إطاراً تحليلياً متقدماً لتصميم أنظمة هجينة لحصاد المياه مدعومة بالخلايا الشمسية، قابلة للتطبيق في البيئات القاحلة والنائية. وبفضل استهلاكها المنخفض للطاقة واعتمادها على مبردات صديقة للمناخ، تشكل هذه الأنظمة بديلاً بيئياً واقتصادياً لأنظمة التحلية التقليدية.

رغم الحاجة إلى تكامل مع أنظمة التخزين لضمان التشغيل الليلي، إلا أن النتائج تفتح الباب أمام تحسينات مستقبلية تشمل التحكم الديناميكي، والتخزين الحراري والكهربائي، والتكامل مع الزراعة الذكية.

📚  المصدر العلمي:

Kamil Neyfel Çerçi. Photovoltaic-supported hybrid atmospheric water harvesting systems: comparative performance analysis of different configurations, Case Studies in Thermal Engineering, Volume 73, 2025, Article ID 106470.
https://doi.org/10.1016/j.csite.2025.106470

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري