الإستدامةالطاقة الشمسية

هل تنجح الصين في تحويل مياه البحر إلى منصات طاقة نظيفة؟

مقدمة: طاقة متجددة على سطح الأمواج

في خطوة رائدة تمثل تحولًا استراتيجيًا في استغلال المسطحات المائية، دشّنت شركة الطاقة الصينية العملاقة سينوبك (Sinopec) أول محطة شمسية عائمة في الصين تُبنى بالكامل في بيئة بحرية مفتوحة. هذا المشروع يمثل أكثر من مجرد منشأة توليد كهرباء؛ إنه تجربة متقدمة في تكامل التكنولوجيا المتجددة مع البيئات البحرية القاسية، ويضع الصين في صدارة الدول التي تسعى لتوسيع حدود استخدام الطاقة الشمسية خارج اليابسة.

7.5  ميغاواط على سطح البحر: أرقام ودلالات

تم تنفيذ المشروع في مدينة تشينغداو بمقاطعة شاندونغ، بقدرة إجمالية تبلغ 7.5 ميغاواط، على مساحة تقدر بـ60,000  متر مربع من سطح البحر. ومن المتوقع أن يولد النظام 16.7 مليون كيلوواط ساعة سنويًا، أي ما يعادل استهلاك نحو 5,000 منزل صيني، مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 14,000 طن سنويًا، وهو ما يعكس الأثر البيئي الإيجابي لهذا النوع من المشاريع.

مرونة التصميم: كيف يواكب النظام حركة المد والجزر؟

يمتاز النظام بتصميم هندسي ذكي يسمح للوحدات الشمسية بالتحرك صعودًا وهبوطًا مع حركة المد والجزر، مع الحفاظ على مستوى منخفض فوق سطح الماء، ما يُعزز تأثير التبريد الطبيعي ويؤدي إلى زيادة الكفاءة بنسبة تتراوح بين 5% و8%  مقارنة بالأنظمة العائمة التقليدية. كما تم دمج هذا المشروع مع محطة شمسية أخرى مثبتة على ركائز بحرية، مما يوفّر مرونة أكبر في التوسع واستقرارًا أكبر للمنظومة.

ثلاثة ابتكارات رئيسية: البقاء في وجه البحر

تغلبت شركة سينوبك على التحديات التقنية المرتبطة بالبيئة البحرية عبر ثلاثة ابتكارات رئيسية:

  1. مواد مقاومة للملوحة والتآكل: تحمي الخلايا والمكونات من الصدأ والتلف الناتج عن مياه البحر.
  2. نظام تثبيت مرن: صُمم ليتحمل رياحًا تصل إلى الدرجة 13 (ما يعادل إعصارًا شديدًا)، وتغيّرات مدّية تصل إلى 3.5 متر.
  3. مسارات صيانة منخفضة المستوى: تسهّل عمليات الفحص الدوري وتُخفض التكاليف التشغيلية.

هذه الابتكارات تجعل المشروع أكثر كفاءة، وأقل عرضة للأعطال، وتمنحه قدرة تشغيلية مستقرة في بيئة بحرية عالية التحدي.

دمج الطاقة الشمسية والهيدروجين: استراتيجية أكبر من مجرد توليد كهرباء

لا ينفصل هذا المشروع عن رؤية سينوبك الأوسع نحو تكامل الطاقة المتجددة مع إنتاج الهيدروجين الأخضر. فالشركة سبق أن أطلقت أول محطة تزويد بالهيدروجين المحايدة كربونيًا في الصين، كما بنت واحدة من أكبر منشآت إنتاج الهيدروجين من مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية. وتعتزم سينوبك توسعة المنصة البحرية العائمة إلى 23  ميغاواط، مما يعزز قدرتها على توفير كهرباء نظيفة لمشاريع الهيدروجين الأخضر المستقبلية.

الصين تفتح الطريق… والمنافسة تشتد

تأتي هذه الخطوة في ظل سباق متزايد على ابتكار حلول طاقة شمسية عائمة مقاومة للملوحة. فمؤخرًا، أعلنت شركة GCL System Integration  عن وحدة شمسية بقدرة 480  واط مصممة خصيصًا للبيئات البحرية، بالتعاون مع شركة Ocean Sun، وتتميز بعزل مائي فائق (IP68) ومواد مقاومة للملح، ما يشير إلى أن السوق الصيني يستعد لدخول مرحلة جديدة من المنافسة في أنظمة PV البحرية.

خاتمة: خطوة استراتيجية نحو استغلال “المياه غير المستغلة

تمثل مشاريع الطاقة الشمسية البحرية حلاً واعدًا للتغلب على نقص الأراضي المناسبة لبناء محطات شمسية تقليدية، وخاصة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية أو السواحل الطويلة. ومع تقنيات أكثر صلابة ومرونة، وتكامل مع إنتاج الهيدروجين، قد تصبح البحار مستقبل الطاقة الشمسية في العالم. مشروع سينوبك هو البداية، والتوسعة المرتقبة إلى 23 ميغاواط تؤكد أن الصين لا ترى في البحر حدودًا، بل فرصًا.

📚  المصدر:
pv magazine –  تقرير بعنوان:
“Sinopec launches China’s first commercial offshore floating PV project” – يوليو 2025

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري