اخر الأبحاثالإستدامةالطاقة الشمسيةتخزين الطاقة

بين الطموح والواقعية: ما الحجم المثالي للطاقة الشمسية والتخزين في أوروبا بحلول 2030؟

دراسة تحليلية متعمقة حتى عام 2030

مقدمة: أوروبا على أعتاب قفزة جديدة في تحول الطاقة

مع اشتداد أزمة المناخ وتسارع وتيرة الانتقال الطاقي، باتت أوروبا في طليعة الجهود العالمية للحد من الانبعاثات الكربونية، من خلال سياسات طموحة أبرزها “Fit-for-55″ و”RePower EU”  ، وتركّز هذه السياسات على زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية الكهروضوئية، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في القدرة الشمسية المركبة بحلول عام 2030.

غير أن هذا التوسع يضع ضغطاً هائلاً على مرونة الشبكة الكهربائية الأوروبية، ويطرح تساؤلات جوهرية حول أفضل الطرق لضمان توازن النظام الكهربائي، وتفادي الفاقد في الإنتاج، وتقليل التكاليف. وهنا يبرز دور أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS) كعنصر حاسم لدعم التحول الطاقي وضمان التكامل الفعّال للطاقة الشمسية.

نموذج EPMM : محاكاة مرنة لتكاليف النظام الكهربائي

من خلال نموذج اقتصادي وتقني متقدم يُعرف باسم النموذج الأوروبي لسوق الكهرباء  (EPMM)، قام باحثون من مركز REKK المجري وجامعة كورفينوس في بودابست بتحليل سيناريوهات متعددة للتوازن بين الطاقة الشمسية والتخزين بالبطاريات على مستوى 38 دولة أوروبية. يتميز هذا النموذج بدمجه لتكاليف الاستثمار والتشغيل، ومتطلبات السوق الاحتياطي، والتكاليف المرتبطة بتقليص الإنتاج  (curtailment)، وهو ما يجعله أداة فريدة لمحاكاة التكلفة الكلية للنظام  (Total System Cost)، يغطي النموذج 3,500 وحدة توليد تقليدية، إضافة إلى السدود المائية والطاقة المتجددة المتغيرة  (vRES)، ويأخذ بعين الاعتبار تدفقات التجارة العابرة للحدود، وقدرة الربط الكهربائي، وتوقعات الأسعار بالجملة، وكذلك استجابة الطلب. كما يتيح إمكانية محاكاة 168 ساعة من كل أسبوع، ممثلة لـ 12 أسبوعاً نموذجياً في السنة.

نطاقات الطاقة الشمسية والتخزين: أين تقع نقطة التوازن؟

حلّلت الدراسة 45 سيناريو مختلفاً لقدرات الطاقة الشمسية تتراوح بين 353 و1,059 جيجاواط، ومستويات تخزين تبدأ من 0% إلى 20% من القدرة المتقطعة، بزيادات قدرها 2.5%. وخلصت إلى أن:

  • النطاق الأمثل اقتصادياً يقع بين 530–880 جيجاواط من الطاقة الشمسية.
  • سعة التخزين المثلى تراوح بين 2.5–7.5% من إجمالي القدرة المتقطعة.
  • السيناريو الأقل تكلفة يتمثل في تركيب 707 جيجاواط من الطاقة الشمسية مع 5%  من سعة البطاريات بحلول عام 2030.

تُظهر النتائج أن زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية تؤدي إلى تراجع في القيمة السوقية لمحطات الطاقة الشمسية، وهي تُحتسب كمتوسط الأسعار بالجملة التي تحصل عليها المحطات خلال فترة معينة. ويعود السبب إلى أثر “تآكل القيمة” الناتج عن وفرة الكهرباء خلال ساعات الذروة. ومع ذلك:

  • إضافة 20% من سعة البطاريات تزيد القيمة السوقية للطاقة الشمسية بنسبة تتراوح بين 10 و15% مقارنة بسيناريو دون تخزين.
  • البطاريات تُمكّن من تخزين الكهرباء المنتَجة في أوقات الوفرة واستهلاكها لاحقاً خلال فترات ارتفاع الأسعار، ما يعزز الفائدة الاقتصادية ويقلل من أثر تراجع العائد.
  • بينما تنخفض أسعار الحمل الأساسي مع ازدياد الانتشار الشمسي، فإن تأثير البطاريات على هذه الأسعار كان محدوداً.

استخدام البطاريات: معدل الاستفادة اليومي

تم قياس معدل الاستخدام اليومي للبطاريات عبر حساب مجموع عمليات الشحن والتفريغ يومياً مقسوماً على الطاقة النظرية القصوى الممكنة:

  • بلغ متوسط الاستخدام نحو 20% يومياً، ما يعادل دورة شحن وتفريغ واحدة يومياً.
  • هذه النسبة تعتبر مستدامة وتدعم افتراض عمر بطارية يصل إلى 20 عاماً.
  • لوحظ اختلاف كبير بين الدول، حيث سجلت دول أوروبا القارية معدلات استخدام متقاربة (حوالي 20%)، في حين سجلت الدول الإسكندنافية معدلات منخفضة نظراً لاعتمادها على الطاقة الكهرومائية المرنة.
  • في المقابل، دول كألبانيا وكوسوفو وبعض دول البلطيق سجلت معدلات استخدام مرتفعة رغم امتلاكها لسعات تخزين منخفضة، ما يشير إلى ضرورة رفع أهداف التخزين لديها.

تقليص الإنتاج الشمسي: كيف تُقلل البطاريات من الهدر؟

يُعد تقليص إنتاج الطاقة المتجددة تحدياً رئيسياً في الأنظمة التي تفتقر إلى التخزين. وتُظهر نتائج الدراسة أن:

  • 20% من سعة التخزين يمكن أن تقلل فاقد الطاقة الشمسية بنسبة تتراوح بين 30 و60%، بحسب السيناريو، مقارنة بالحالات دون تخزين.
  • في سيناريو الانتشار الشمسي العالي جداً، قد لا يُستفاد إلا من 64% من الطاقة الشمسية الممكن إنتاجها بدون تخزين، ما يعني أن 90  تيراواط ساعي من الإنتاج الجديد يقابله 150  تيراواط ساعة من الفاقد.
  • في نفس السيناريو، تُخفض البطاريات الكافية الفاقد بنحو 50%
  • أعلى نسب الفاقد سُجلت في إسبانيا والبرتغال، تليها هولندا والدنمارك، في حين كانت المعدلات منخفضة في دول البلقان بفضل مرونة الربط وتدني مستويات الطاقة الشمسية.

تحليل التكاليف: التوازن بين الاستثمار والتشغيل

شملت الدراسة حسابات دقيقة لتكاليف النظام، تتضمن:

  • تكاليف الاستثمار للطاقة الشمسية والبطاريات.
  • التكاليف التشغيلية المتغيرة، بما فيها الوقود والانبعاثات.
  • تكاليف التشغيل والاحتياطي وخدمات التوازن.

وتبين أن:

  • في سيناريو المتوسط (707 جيجاواط طاقة شمسية + 5% تخزين)، يتم الوصول إلى الحد الأدنى من تكلفة النظام بفضل انخفاض الفاقد والأسعار.
  • في سيناريو “مرتفع جداً” من الطاقة الشمسية والتخزين (20%)، قد تصل تكاليف الاستثمار إلى 40% من إجمالي التكاليف.
  • السيناريوهات التي تتضمن اختراقاً عالياً للطاقة الشمسية تكون أكثر تكلفة من السيناريوهات المتوسطة، بغض النظر عن مستوى التخزين.

تأثير تغير تكلفة الاستثمار  (CAPEX)

اختبرت الدراسة تغيرات في تكلفة الاستثمار (CAPEX) للطاقة الشمسية والبطاريات عبر سيناريوهات متعددة:

  • انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية يؤدي إلى زيادة في تركيب الطاقة الشمسية والبطاريات.
  • أما انخفاض تكلفة البطاريات وحدها فلم يؤدِّ إلى زيادة مماثلة في الطاقة الشمسية، ما يشير إلى أن دور البطاريات مساند وليس محركاً رئيسياً.
  • النسبة المثلى للتخزين تتغير مع زيادة الطاقة الشمسية، لكنها لا تتجاوز 10% في جميع السيناريوهات.
  • يوضح الشكل التالي التكلفة المثلى في لوحة ثلاثية الأبعاد، مُظهرًا الحد الأدنى لتكلفة النظام في جميع تركيبات PV-BESS المُنمذجة لعام 2030.

توصيات لصناع القرار:

  1. تحديد أهداف تخزين واقعية: وفقاً لطبيعة كل دولة (توفر موارد مائية، مستوى الربط، تقلبات السوق).
  2. تعزيز التعاون الإقليمي: تُظهر النتائج أن البطاريات يمكن أن تُستخدم بشكل مشترك بين الدول إذا توفرت البنية التحتية اللازمة.
  3. تجنب الإفراط في التخزين: تجاوز نسبة 10% من التخزين غير ضروري في جميع السيناريوهات.
  4. مراقبة فاقد الإنتاج: الدول ذات مستويات تقليص مرتفعة يجب أن تعطي أولوية للتخزين أو تحسين البنية التحتية.

 خاتمة: نحو تحول مرن ومُجدٍ اقتصادياً

تكشف الدراسة عن أهمية التخطيط المتكامل لنشر الطاقة الشمسية وتخزين البطاريات ضمن رؤية قائمة على تقليل التكلفة وتعظيم الفائدة. أوروبا تملك فرصة ذهبية لتحقيق مزيج طاقي نظيف ومرن، لكن بشرط أن توازن بين الطموح والواقعية. وتقدم نتائج هذا البحث قاعدة صلبة لصياغة سياسات ذكية، تضمن تحقيق أهداف الطاقة والمناخ بأقل تكلفة ممكنة.

 دروس مستفادة للمنطقة العربية:

رغم اختلاف السياقات، يمكن للدول العربية – لا سيما تلك التي تتبنى أهدافاً طموحة في الطاقة المتجددة – الاستفادة من خلاصات هذه الدراسة الأوروبية على النحو الآتي:

  • ضرورة وضع أهداف تخزين مدروسة، بحيث لا تتجاوز نسبة معينة من القدرة المتجددة إلا إذا بررت البيانات الاقتصادية ذلك.
  • أولوية تقليل الفاقد الناتج عن تقليص الإنتاج الشمسي عبر نشر تخزين مستهدف أو تطوير الربط الإقليمي.
  • الاستفادة من الهياكل المرنة كالربط الخليجي والمغاربي لاستخدام التخزين بطريقة إقليمية فعالة.
  • مراعاة اختلاف التكاليف الاستثمارية محلياً وتحديث النماذج الحسابية بشكل دوري لتحديد الجدوى الاقتصادية.
  • التخطيط المتكامل للسياسات الطاقية بحيث يتم تنسيق نشر الطاقة الشمسية مع تحديثات الشبكة وتوسع قدرات التخزين.

 📚 المصدر:

Kácsor, E., Mezősi, A., & Szabó, L. (2025). Integrating solar plants into the European power grid − What is the optimal capacity combination of PV and battery storage? Energy Conversion and Management: X, Volume 26, 101029. https://doi.org/10.1016/j.ecmx.2025.101029

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري