كيف يعيد التصميم المخصص تشكيل مستقبل الزراعة الشمسية والنظم الكهروضوئية البيئية؟

في ظل تزايد الاهتمام العالمي بحلول الطاقة المتجددة متعددة الاستخدامات، يبرز مفهوم الزراعة الشمسية المدمجة (Agrivoltaics) كأحد أكثر النماذج الواعدة لدمج إنتاج الطاقة الشمسية مع الاستخدامات الزراعية أو البيئية. إلا أن دراسة حديثة أجراها فريق بحثي من جامعة تمبل في فيلادلفيا، ونُشرت في مجلة Nature Sustainability، كشفت أن النجاح في هذا المجال لا يتحقق عبر نموذج موحد، بل من خلال تصميمات مخصصة لكل موقع تأخذ في الاعتبار العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية المحلية.
منظور شامل: ما وراء الألواح الشمسية
حلّل الباحثون بيانات نوعية وكمية، بما في ذلك دراسات ميدانية قائمة، لتقييم التكاملات والمقايضات في ثلاثة نماذج رئيسية:
- الزراعة الشمسية (Agrivoltaics) : دمج الألواح مع المحاصيل الزراعية.
- النظم الكهروضوئية البيئية (Ecovoltaics) : تصميم أنظمة الطاقة الشمسية لتعزيز الخدمات البيئية والحفاظ على النظم الطبيعية.
- الرعي الشمسي (Solar Grazing) : استخدام الأراضي المخصصة للطاقة الشمسية كمراعٍ للحيوانات.
وشمل التحليل تقييم المناخات المحلية الدقيقة، ظروف التربة، الأثر الاقتصادي على المجتمعات، ووجهات نظر الأطراف المعنية. وخلصت النتائج إلى أن الفوائد والمخاطر غالبًا ما تكون خاصة بكل موقع، مما يستلزم دراسة متأنية قبل التنفيذ.

عوامل حاسمة في التصميم
حدد الفريق البحثي مجموعة من العوامل الجوهرية التي تؤثر على أداء وجدوى المشاريع، من أبرزها:
- تصميم مصفوفات الألواح الشمسية (ارتفاعها، مسافات التباعد، زاوية الميل).
- حجم المزرعة ونوع المحاصيل أو الغطاء النباتي المصاحب.
- الظروف المناخية والموارد المتاحة مثل المياه والإشعاع الشمسي.
- الممارسات الاجتماعية والثقافية في المنطقة المستهدفة.
على سبيل المثال، يختلف تصميم وأنماط إنتاج الزراعة الشمسية الحضرية جذريًا عن نظيراتها الريفية، بينما تواجه المناطق الريفية في الدول النامية تحديات وفرصًا مغايرة لتلك الموجودة في الدول المتقدمة.
بالأرقام: إمكانات وتحديات
تشير الدراسات إلى أن دمج الزراعة مع الطاقة الشمسية يمكن أن:
- يرفع إنتاجية المحاصيل بنسبة تتراوح بين 5% و15% في ظروف مناخية معينة بفضل تظليل الألواح وتقليل تبخر المياه.
- يحسن كفاءة استغلال الأرض بنسبة قد تصل إلى 60% مقارنة بالاستخدام الأحادي.
- يساهم في تقليل درجات حرارة التربة بمقدار 2-5 درجات مئوية، مما يحسن بيئة الجذور.
لكن في المقابل، يمكن أن تؤدي التصميمات غير الملائمة إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل أو زيادة التكاليف التشغيلية.
توجيهات استراتيجية للمستقبل
يقترح الباحثون أن يتم تبني مشاريع الطاقة الشمسية المدمجة في المناطق التي يمكن فيها تعزيز الخدمات البيئية، مثل تحسين جودة التربة أو زيادة التنوع البيولوجي. كما دعوا إلى مزيد من الأبحاث التي تدعم الانتشار المستدام عبر البيئات الريفية والحضرية والمجتمعات خارج الشبكة، مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد التقنية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية.
إلا أن الدراسة حذّرت من أن العوائق التنظيمية والسياساتية، رغم أهميتها في حماية الأراضي المحمية، قد تحد من ظهور أنظمة إنتاج طاقة صغيرة مستقلة بالشبكة، وهي أنظمة قد تكون حيوية لتأمين الغذاء والطاقة للمجتمعات منخفضة الدخل أو المعرضة للمخاطر المناخية.
صوت الباحثين: دعوة إلى الأطر التنظيمية الشاملة
قالت كارولين ميرهب، المؤلفة الرئيسية للدراسة:
“أدهشني التنوع الكبير في الفوائد المشتركة التي يمكن أن تقدمها هذه الأنظمة عبر الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية. آمل أن يكون هذا البحث مرجعًا أساسيًا لصانعي السياسات من أجل إعطاء الأولوية للأطر التنظيمية التي تضمن مصالح جميع الأطراف.”
خاتمة
تؤكد هذه الدراسة أن الزراعة الشمسية المدمجة ليست حلًا جاهزًا للجميع، بل هي أداة متعددة الأبعاد تتطلب تصميمًا دقيقًا وفق الظروف المحلية. ومع استمرار الأبحاث وتطور الأطر التنظيمية، يمكن لهذا النموذج أن يلعب دورًا محوريًا في تحقيق تكامل الغذاء والطاقة، وتعزيز الأمن البيئي والاجتماعي في مختلف أنحاء العالم.
📚 المصدر:
Merheb, C. et al. (2025). Synergies and trade-offs of co-located solar energy and land use systems. Nature Sustainability.
Merheb, C., Macknick, J., Davatzes, N. et al. Synergies and trade-offs of multi-use solar landscapes. Nature Sustainability (2025). https://www.nature.com/articles/s41893-025-01600-1