اخر الأبحاثالطاقة الشمسية

ابتكار جزائري رائد يُحسّن جدوى الطاقة الشمسية عبر تحسين ذكي لجداول التنظيف

مقدمة

في السعي العالمي لتحقيق الحياد الكربوني، تبرز الطاقة الشمسية كحجر الزاوية. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه انتشارها، خاصة في المناطق الغنية بأشعة الشمس كالصحاري، هو تراكم الغبار والأتربة الذي يحجب الضوء ويُقلل من كفاءة الألواح بشكل كبير. سجلت الدراسات السابقة – كما في السعودية وتشيلي (صحراء أتاكاما)- خسائر في الكفاءة تتراوح بين 10-39%، مما يهدد الجدوى الاقتصادية للمشاريع.

لطالما كانت استراتيجيات التنظيف التقليدية، سواء الدورية أو القائمة على التقدير، غير فعالة؛ فهي إما مكلفة بسبب التنظيف غير الضروري، أو مُضرة بسبب التأخر في التنظيف عند الحاجة الفعلية. من هنا، برزت الحاجة إلى حلول ذكية تحدد الوقت الأمثل للتنظيف بدقة فائقة.

 الابتكار الجزائري: ذكاء بلا تعقيد أو تكلفة إضافية

تمكن فريق بحثي من جامعة غرداية في الجزائر، من تطوير إطار عمل مبتكر يحقق معادلة صعبة: تحسين دقة جداول التنظيف إلى أقصى حد مع خفض التكاليف إلى الصفر تقريبًا.  لا يعتمد هذا الحل على أنظمة استشعار باهظة الثمن أو قواعد بيانات ضخمة، بل يدمج ببراعة بين ثلاث تقنيات موجودة بالفعل في معظم الأنظمة:

  1. تتبع نقطة القدرة القصوى (MPPT)لمراقبة الأداء الفعلي للمحطة في الوقت الحقيقي.
  2. خوارزميات التحسين الميتاهجينية (Metaheuristic Optimization): لمحاكاة السلوك الذكي للطبيعة في حل المشكلات المعقدة.
  3. آلية تقييم ذكية للنظافة (ICSM): لتقدير مستوى اتساخ الألواح بناءً على انخفاض الأداء المُراقب.

يعمل هذا الثلاثي بشكل متكامل: تراقب خوارزمية MPPT الطاقة المنتجة، وتقوم آلية ICSM بحساب “معدل الاتساخ”، ثم تأتي خوارزمية التحسين (مثل Grey Wolf Optimizer لتحديد اللحظة المثلى economically والزمنية technically للتنظيف، متجنبةً بذلك أي تنظيف غير ضروري.

 لماذا يُعد هذا الابتكار اختراقًا؟

على عكس الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والتي تتطلب:

  • استثمارات أولية في أجهزة استشعار إضافية.
  • جمع ومعالجة كميات هائلة من البيانات التاريخية والزمنية.
  • صيانة مستمرة للنماذج التنبؤية التي قد تتأثر بتدهور الألواح أو تغير المناخ.

فإن المنهجية الجزائرية تقدم مزايا فريدة:

  • الاستقلالية: لا تحتاج إلى بيانات مسبقة أو تاريخية، فهي تعمل بالاعتماد على بيانات الأداء الحية.
  • التكلفة الصفرية:يمكن تنفيذها كبرنامج (Software) يضاف إلى أنظمة التحكم الموجودة (مثل متحكمات MPPT دون أي تكاليف أجهزة إضافية.
  • القدرة التكيفية: تتكيف ديناميكيًا مع تغير الظروف البيئية ومعدلات تلوث الهواء، وكذلك مع تقدم عمر الألواح وتدهور أدائها الطبيعي.

 النتائج: إنجاز بالأرقام والمراجع المعتمدة

وفقًا للورقة البحثية المنشورة في مجلة “Energy and Buildings” المصنفة ضمن فئة Q1 (أعلى فئة من حيث الجودة والتأثير)، حقق النموذج المطور النتائج التالية:

  • دقة تنبؤ فائقة: بلغت دقة تحديد مواعيد التنظيف المثلى 4%  عند استخدام خوارزمية Grey Wolf Optimizer
  • تفوّق في الأداء: تفوق أداء الإطار المقترح على ثلاث خوارزميات تحسين مرجعية أخرى معتمدة في المجال العلمي.
  • ترشيد العمليات: قلل عدد عمليات التنظيف بشكل كبير مقارنة بالجداول الثابتة، مما يعني توفيرًا مباشرًا في تكاليف العمالة والمياه ومواد التنظيف، مع الحفاظ على أعلى مستوى من إنتاج الطاقة.

 الأهمية الاستراتيجية والآفاق المستقبلية

يمثل هذا الابتكار نقلة نوعية في فلسفة إدارة وتشغيل محطات الطاقة الشمسية على نطاق عالمي، حيث:

  • يعزز الجدوى الاقتصادية: يخفض تكاليف التشغيل والصيانة (O&M) التي تشكل عبئًا كبيرًا على مالكي المحطات.
  • يحمي الاستثمارات: يضمن الحفاظ على كفاءة وإنتاجية الألواح الشمسية لأطول فترة ممكنة، مما يزيد من العائد على الاستثمار.
  • يفتح آفاقًا جديدة: يجعل نشر الطاقة الشمسية في المناطق القاحلة والصحاري، التي تعاني من مشكلة الغبار ولكنها الأغنى بالشمس، أكثر جاذبية واستدامة.
  • يبرز الريادة العربية: يضع البحث العلمي العربي على الخريطة العالمية للابتكار في مجال الطاقة المتجددة، مقدّمًا حلولاً عملية قابلة للتطبيق الفوري.

 خاتمة

إنجاز فريق جامعة غرداية ليس مجرد بحث أكاديمي، بل هو حل هندسي عملي ذو جدوى اقتصادية عالية. إنه نموذج للابتكار الذكي الذي يحقق أقصى استفادة من الموارد الموجودة دون تعقيد أو تكلفة. هذا العمل لا يضع الجزائر في قلب النقاش العلمي حول مستقبل الطاقة فحسب، بل يقدم لها، وللدول ذات البيئات المشابهة، أداة قوية لتسريع تحولها الطاقوي.

📚 المصدر:

Charaf Abdelkarim Mosbah, Mostefa Kermadi, Amor Gama, Fatiha Yettou, Smart and cost-effective optimisation of photovoltaic cleaning schedules, Energy and Buildings, Volume 346, 2025, https://doi.org/10.1016/j.enbuild.2025.116184

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري