هل يمكن لنظام تخزين بطاريات صغير على سطح مصنع أن يخفض فاتورة الكهرباء بنسبة تقارب 30%؟
دراسة حالة من تايوان تجيب

مقدمة
في ظل تصاعد أسعار الكهرباء واعتماد شركات التوزيع أنظمة التسعير المعتمدة على أوقات الذروة، باتت المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة أمام تحدٍّ حقيقي للحفاظ على تنافسيتها وتقليل تكاليف التشغيل. في هذه الدراسة، نتابع تجربة مصنع صناعي في تايوان واجه ارتفاعًا ملحوظًا في فاتورة الكهرباء الشهرية، قبل أن يلجأ إلى حل تقني يعتمد على نظام تخزين طاقة بالبطاريات مركب على سطح المبنى، ليحقق في النهاية خفضًا في تكاليف الكهرباء بنسبة تقارب 28% من دون أي مساس بخطط الإنتاج أو ساعات العمل.
ملامح المشروع وسياقه
يقع المصنع في منطقة صناعية في تايوان، ويعمل وفق نمط تشغيل مستمر تقريبًا، ما يجعله ضمن شريحة المستهلكين ذوي الأحمال العالية. اعتمد المصنع قبل المشروع على التغذية التقليدية من الشبكة فقط، في ظل تعريفة كهرباء تقوم على أوقات الذروة وخارج الذروة، مع وجود رسوم خاصة بالطلب التعاقدي بناءً على أعلى قدرة مسحوبة خلال الشهر.
مع مرور الوقت، بدأت فاتورة الكهرباء تشكّل عبئًا متزايدًا على الميزانية التشغيلية، إذ وصلت إلى نحو 3,640 دولارًا أمريكيًا. لم تكن لدى إدارة المصنع مرونة لتغيير جداول الإنتاج أو نقل العمليات إلى أوقات أقل كلفة، فخطوط الإنتاج ثابتة، ومواعيد التسليم ملزمة، وسلاسل الإمداد لا تسمح بتعديلات جوهرية في رتم العمل اليومي. كان من الواضح أن أي حل فعّال لا بد أن يكون تقنيًّا بالأساس، يعتمد على إدارة أفضل للطاقة بدلًا من تغيير نمط الإنتاج.
انطلاقًا من هذه الحاجة، تم اختيار تركيب نظام تخزين طاقة بالبطاريات على سطح المبنى، باستخدام منتج بقدرة 125 kW وسعة 250 kWh من نوع Power Cabinet 250، وربطه بنظام إدارة طاقة ذكي (EMS) قادر على تحليل استهلاك المصنع والتعامل مع تعريفة أوقات الذروة بشكل تلقائي.
التحدي: فاتورة مرتفعة ونمط استهلاك غير مرن
المشكلة لم تكن في حجم الاستهلاك وحده، بل في توقيته وطبيعته. فالمصنع يستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة خلال فترات التعريفة المرتفعة، ما يرفع ليس فقط قيمة الكيلوواط ساعة، بل أيضًا قيمة الطلب التعاقدي الذي يُحتسب على أساس أقصى حمل مسجل خلال الشهر.
كان نمط الاستهلاك شبه ثابت على مدار أيام العمل؛ أحمال مرتفعة خلال ساعات الذروة، من دون أي قدرة على ترحيل جزء من هذا الاستهلاك إلى أوقات أقل تكلفة. كما لم يكن هناك نظام لمراقبة منحنى الحمل أو التنبؤ به، مما جعل التعامل مع تعريفة أوقات الذروة يتم بشكل ” تلقائي“ وغير واعٍ: المصنع يستهلك، والشبكة تغذي، والفاتورة تأتي في نهاية الشهر لتعكس واقعًا مكلفًا لا يمكن التراجع عنه.
في هذه النقطة، بدا من الواضح أن المسألة ليست مجرد تخفيض في الاستهلاك المطلق، بل في إعادة تشكيل منحنى الحمل نفسه: متى يستهلك المصنع؟ وكيف يمكن للبطاريات أن تصبح ” وسيطاً“ بين الشبكة وخطوط الإنتاج، بحيث تخفّض الضغط في الأوقات الحرجة من دون أن يشعر أحد في صالة الإنتاج بأي تغيير؟
الحل: تخزين الطاقة لإعادة تشكيل منحنى الحمل
تم تركيب نظام Power Cabinet 250 وربطه بنظام إدارة طاقة EMS يراقب الاستهلاك لحظيًا ويقارنُه بتعريفة أوقات الذروة. تقوم الخوارزميات بشحن البطاريات في أوقات خارج الذروة (التعريفة المنخفضة)، ثم تفريغها خلال ساعات الذروة لتغطية جزء من استهلاك المصنع، فينخفض الاعتماد على الشبكة في أغلى الفترات.
بذلك يُحوَّل يوميًا نحو 400 kWh من استهلاك الذروة إلى خارج الذروة (حوالي 8,800 kWh شهريًا)، مع خفض الحمل الأقصى بنحو 30 kW مما يقلل بند الطلب التعاقدي في الفاتورة. كل ذلك يتم آليًا بالكامل دون أي تغيير في جداول الإنتاج أو تدخل من فرق التشغيل؛ فالنظام يدير الشحن والتفريغ “خلف الكواليس”.

النتائج: انخفاض ملموس في التكاليف واستقرار أكبر في الاستهلاك
بعد تشغيل نظام التخزين لفترة، ظهرت نتائجه بوضوح في فاتورة الكهرباء؛ إذ انخفضت ما يقارب 28% من الفاتورة. جاء التوفير من ناحيتين:
- شراء جزء من الطاقة بتعريفة منخفضة خارج الذروة ثم استخدامها في الذروة عبر البطاريات،
- وخفض الطلب التعاقدي نتيجة تقليل الحمل الأقصى بحوالي 30 kW
إلى جانب المكاسب المالية، أصبح منحنى الحمل أكثر استقرارًا وأقل حدة، ما خفّف الضغط على الشبكة وحسّن القدرة على التنبؤ بالاستهلاك، مع توفير بيانات أوضح عبر نظام إدارة الطاقة. والأهم أن كل ذلك تحقق دون أي تغيير في جداول التشغيل أو نمط عمل المصنع؛ بل مجرد إضافة ذكية لإدارة الطاقة أعادت توزيع الاستهلاك وقللت التعرض لتعرفة الذروة.
خاتمة: نموذج قابل للتكرار في المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة
توضح هذه التجربة أن أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات، حين تُدمج بذكاء مع أنظمة إدارة الطاقة وتعريفات أوقات الذروة، يمكن أن تتحول من مجرد تقنية مساندة إلى أداة استراتيجية لإعادة ضبط تكاليف الطاقة وتحسين مرونة الاستهلاك.
في هذه الحالة، نجح المصنع في تايوان في تحقيق مزيج متوازن بين الاستقرار التشغيلي والتوفير المالي؛ فالإنتاج لم يتغيّر، بينما تغيّر “ذكاء” استهلاك الطاقة. ومع تركيب نظام بقدرة 125 kW وسعة 250 kWh، أصبح بالإمكان تحويل آلاف الكيلوواط ساعات شهريًا من فترات مكلفة إلى فترات منخفضة التعريفة، مع خفض ملموس في الحمل الأقصى التعاقدي.
يمثّل هذا النموذج فرصة حقيقية للمصانع التي تعمل في بيئات تسعير تعتمد على أوقات الذروة، وتسعى في الوقت ذاته إلى تعزيز تنافسيتها من خلال خفض تكاليف الطاقة وتحسين إدارة استهلاكها، دون الدخول في تعقيدات تغيير أنماط الإنتاج أو تعديل منظومة العمل اليومية.
📚 المصدر:
للاطلاع على الدراسة الأصلية عبر موقع EticaAG
https://eticaag.com/case-study-factory-peak-shaving/



