الإستدامة

هل تمهّد خلايا الغرافين–السيليكون الطريق لأنظمة إنترنت الأشياء ذاتية التغذية لعقود؟

مقدمة

في خطوة علمية دقيقة تستهدف أحد أكبر تحديات إنترنت الأشياء، نجح فريق بحثي من University of Arkansas بالتعاون مع باحثين من جامعة ميشيغان في تطوير مصفوفة من خلايا شمسية مصغّرة قائمة على الغرافين والسيليكون قادرة على إعادة شحن مكثفات تخزين بشكل متقطع وتشغيل مستشعر حرارة فائق الانخفاض في استهلاك الطاقة لأكثر من 24 ساعة دون إعادة شحن.

النتائج، المنشورة في مجلة Journal of Vacuum Science & Technology B، لا تقدم تحسينًا تدريجيًا فقط، بل تطرح نموذجًا جديدًا لتغذية أنظمة IoT قد يعمل لعقود دون بطاريات أو وحدات إدارة طاقة تقليدية.

من إنترنت الأشياء إلى “إنترنت الأشياء ذاتي التغذية”

تنطلق الورقة من فرضية أساسية: لكي يحقق إنترنت الأشياء (IoT) انتشاره الكامل، لا بد من تلاقي ثلاثة عناصر حاسمة:

  1. مصادر طاقة محلية محيطة (Self-powered systems)
  2. عمر تشغيلي طويل جدًا دون صيانة (Set-it-and-forget-it)
  3. أنظمة استشعار تستهلك طاقة في نطاق النانوواط

التطورات الحديثة في الدوائر الإلكترونية منخفضة الاستهلاك خفّضت متطلبات الطاقة إلى نانوواط في وضع الاستعداد وميكروواط في وضع التشغيل، ما جعل فكرة الاعتماد على الطاقة المحيطة واقعية لأول مرة.

لماذا الغرافين–السيليكون تحديدًا؟

يوضح الباحثون أن اختيار خلايا الغرافين–السيليكون من نوع Schottky junction لم يكن بدافع الكفاءة الكهروضوئية القصوى، بل بسبب الوظيفة المتعددة للغرافين:

  • شفافية عالية تسمح بمرور الضوء إلى السيليكون وامتصاصه
  • موصلية كهربائية مرتفعة
  • قابلية مستقبلية لحصاد الطاقة الحركية والاهتزازية عند غياب الشمس

ورغم أن الدراسة الحالية تركز فقط على التشغيل الشمسي، فإن التصميم يترك الباب مفتوحًا أمام أنظمة هجينة تحصد الطاقة الشمسية والحركية معًا.

البنية الفعلية للخلايا: أرقام لا افتراضات

تم تصنيع الخلايا باستخدام:

  • رقائق سيليكون n-type بسماكة 500 ميكرومتر
  • تركيز تطعيم ~ 5×10¹⁴ cm⁻³
  • طبقة أكسيد حراري بسماكة 2 ميكرومتر
  • نقل غرافين متعدد الطبقات فوق السيليكون المكشوف ووسادات الذهب

عند الإضاءة باستخدام مصدر ضوئي أبيض بقدرة 1400  واط/م² (400–700 نانومتر):

  • تيار القصر ≈ 82 ميكروأمبير
  • جهد الدارة المفتوحة ≈ 0.4 فولت لكل خلية

وعند ربط الخلايا على التوالي، أصبح الجهد الكلي هو مجموع جهود الخلايا الفردية، ما أتاح شحن مكثفات التخزين إلى مستويات تشغيل مختلفة.

ثلاث مكثفات… ثلاث وظائف

بدلًا من بطارية ووحدة إدارة طاقة  (PMU)، اعتمد النظام على ثلاثة مكثفات تخزين 1000 µF لكل منها، لكل منها دور محدد:

فكانت النتيجة:  إلغاء وحدة إدارة الطاقة بالكامل وخفض استهلاك النظام بشكل جذري.

شحن خلال دقائق… وتشغيل لأكثر من 24 ساعة

تُظهر القياسات الزمنية أن:

  • شحن المكثف الأول C1 إلى ~4 فولت يستغرق ≈ 400  ثانية
  • شحن المكثف الثاني C2 إلى 1.2 فولت يستغرق ≈ 250  ثانية
  • شحن المكثف الثالث C3 إلى 0.6 فولت يستغرق ≈ 100  ثانية

في المقابل:

  • يستهلك النظام ميكروأمبيرات قليلة لأقل من ثانية واحدة أثناء القياس
  • ويهبط الاستهلاك إلى ≈ 10 نانوأمبير فقط في وضع الاستعداد
  • ما يسمح بتشغيل النظام لأكثر من 24 ساعة دون أي إعادة شحن

اختراق في تصميم المعالجات منخفضة الطاقة

أحد أهم عناصر النجاح هو المعالج المخصص:

  • مُصنّع بتقنية 180 nm CMOS منخفضة التسريب
  • يستخدم Power Gating لإيقاف الكتل غير الضرورية
  • يخفض الاستهلاك من ميكروواط إلى بيكوواط في وضع الاستعداد
  • ذاكرة SRAM مُحسّنة لتقليل تيارات التسريب دون فقد البيانات الأساسية

هذا التصميم يجعل استهلاك الطاقة في وضع الخمول شبه مهمل مقارنة بأي نظام تجاري متاح حاليًا.

دلالة استراتيجية: لماذا هذا العمل مهم؟

تؤكد هذه الدراسة أن:

  • المكثفات يمكن أن تحل محل البطاريات في تطبيقات IoT طويلة العمر
  • خلايا الغرافين ليست بديلًا عن الخلايا التقليدية، بل مكمّلًا ذكيًا لها
  • عمر الأنظمة يمكن أن يمتد إلى عقود بدل 5–10 سنوات للبطاريات
  • تكاليف التشغيل والصيانة يمكن أن تنخفض جذريًا

الخلاصة

ما يقدّمه هذا البحث ليس ” خلية شمسية جديدة “، بل معمارية طاقة كاملة تعيد التفكير في كيفية تغذية أنظمة إنترنت الأشياء. الدمج بين خلايا غرافين–سيليكون، مكثفات تخزين، ومعالجات نانوية الاستهلاك قد يكون أحد أهم المسارات العملية لإنترنت الأشياء المستدام في المدن الذكية، البنية التحتية، والاستشعار البيئي طويل الأمد.

📚  المصدر:

Ashaduzzaman, Rahman, S. M., Kabir, M. R., Mangum, J. M., Do, H., Carichner, G., Blaauw, D., & Thibado, P. M. (2025). Array of mini-graphene-silicon solar cells intermittently recharges storage capacitors powering a temperature sensor. Journal of Vacuum Science & Technology B, 43(6), 062205. https://doi.org/10.1116/6.0004618

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري