هل تحصد الأرض طاقة الشمس من الفضاء؟
مشروع كالتيك يعيد إحياء حلم الطاقة الشمسية الفضائية

مقدمة
منذ أكثر من ثمانية عقود، تخيّل رائد الخيال العلمي إسحاق أسيموف محطات فضائية تبث الطاقة الشمسية من المدار إلى الأرض. ما بدا حينها فكرة أدبية جريئة، يعود اليوم إلى الواجهة العلمية والهندسية بقوة، مدفوعًا بانخفاض تكاليف الإطلاق الفضائي وتقدم تقنيات الخلايا الشمسية والاتصال اللاسلكي.
هذا الحلم هو محور فيلم وثائقي جديد بعنوان Bright Harvest: Powering Earth from Space، يوثّق جهود فريق بحثي من California Institute of Technology لتحويل الطاقة الشمسية الفضائية من فكرة نظرية إلى تجربة عملية قابلة للتطوير.
لماذا الفضاء؟ ميزة لا توفرها الأرض
تعاني الطاقة الشمسية الأرضية من تحدٍ جوهري: التقطّع، الليل، الغيوم، والعواصف الرملية كلها تحد من الإنتاج. في المقابل، يمكن لمحطات شمسية في مدار مناسب أن تتلقى الإشعاع الشمسي بشكل شبه مستمر على مدار 24 ساعة.
الفكرة بسيطة نظريًا:
- توليد الكهرباء باستخدام خلايا شمسية في الفضاء
- تحويل الطاقة إلى موجات ميكروويف منخفضة الشدة
- بثها بأمان إلى مستقبلات أرضية
- إعادة تحويلها إلى كهرباء وربطها بالشبكة
التحدي الحقيقي لم يكن الفيزياء، بل الكلفة والتكامل الهندسي.
تجربة حقيقية: الطاقة تعود من المدار
في عام 2023، نجح فريق كالتيك في بث طاقة شمسية من قمر صناعي في مدار أرضي منخفض إلى مستقبل أرضي. ورغم أن القدرة المنقولة كانت محدودة للغاية (تكفي فقط لتحفيز حساسات القياس)، إلا أن التجربة أثبتت أربع نقاط حاسمة:
- إمكانية إطلاق أنظمة كهروضوئية إلى المدار بتكلفة معقولة
- نجاح نشر الهياكل الفضائية بعد الإطلاق
- توليد الطاقة في الفضاء بكفاءة
- نقل الطاقة لاسلكيًا إلى الأرض بأمان
وهو إنجاز وصفه الباحثون بأنه لحظة فاصلة في تاريخ الطاقة الشمسية الفضائية.
ثلاثة تخصصات… مشروع واحد
يركز الفيلم الوثائقي على تكامل جهود ثلاثة أساتذة من كالتيك:
- هاري أتووتر: أستاذ الفيزياء التطبيقية وعلوم المواد، رائد في الخلايا الشمسية عالية الكفاءة
- سيرجيو بيليغرينو: متخصص في الهياكل الفضائية خفيفة الوزن وقابلة للنشر
- علي حاجي ميري: خبير في نقل الطاقة اللاسلكية والتحكم في توجيه الحزم
هذا التكامل بين المواد المتقدمة، والهندسة الإنشائية، والإلكترونيات هو ما جعل المشروع ممكنًا عمليًا.
خلايا شمسية خفيفة… لكنها عالية الأداء
يشرح أتووتر أن المعيار الأهم في الفضاء ليس القدرة لكل متر مربع، بل القدرة لكل كيلوغرام. لهذا السبب، يعتمد المشروع على:
- خلايا غاليوم أرسينيد عالية الكفاءة
- ركائز مرنة قابلة للطي والنشر
- تقنيات طلاء وخلايا رقيقة الوزن
وقد أسهمت شركات ناشئة شارك أتووتر في تأسيسها، مثل Alta Devices و Caelux، في دفع حدود كفاءة الخلايا الشمسية إلى ما يقارب 30%
نقل آمن للطاقة: لا أشعة قاتلة
بدل استخدام مرسلات ميكروويف عالية القدرة، يعتمد النظام على:
- عدد كبير من الحزم منخفضة القدرة
- توجيهها بدقة لتتراكب فوق هوائيات الاستقبال
- كثافة طاقة تعادل تقريبًا ضوء الشمس الطبيعي
يؤكد أتووتر أن كثافة القدرة تبلغ نحو 100 ميلي واط/سم²، أي قريبة من الإشعاع الصادر عن هاتف ذكي ملاصق للأذن، ما يجعل النظام آمنًا تمامًا على البشر والبيئة.
بنية فضائية قابلة للتوسع
تضمنت مهمة 2023:
- اختبار 32 نوعًا مختلفًا من الخلايا الشمسية
- تجربة بث الطاقة إلى مستقبل في كالتيك
- نشر هيكل فضائي قابل للفتح بمساحة 6×6 أقدام
أما على المدى البعيد، فيقدّر الفريق أن محطة شمسية فضائية عاملة ستحتاج إلى مساحة تقارب كيلومترًا مربعًا واحدًا، وهو حجم يمكن إطلاقه مستقبلًا باستخدام مركبة Starship من SpaceX أو عبر كوكبة أقمار أصغر.
التكامل مع المحطات الأرضية
من الأفكار الذكية في المشروع:
- وضع مستقبلات الميكروويف فوق محطات شمسية أرضية قائمة
- استخدام نفس الأرض ونقاط الربط مع الشبكة
- إنتاج الكهرباء نهارًا من الشمس الأرضية، وليلاً من الشمس الفضائية
بهذا الشكل، تتحول المحطة إلى مصدر طاقة شبه مستمر.
هل تصبح الطاقة الشمسية الفضائية منافسة اقتصاديًا؟
يبقى السؤال الأهم: الكلفة. يرى أتووتر أن التوسع الصناعي قد يخفض الكلفة المستوية للطاقة (LCOE) إلى:
- نحو 09 دولار/كWh في المرحلة الأولى
- ثم إلى 03 دولار/كWh لاحقًا
وهي أرقام تضع الطاقة الشمسية الفضائية في منافسة مباشرة مع المحطات الشمسية الأرضية على نطاق المرافق.
أكثر من مشروع… سباق عالمي
مشروع كالتيك ليس الوحيد:
- Aetherflux في الولايات المتحدة تطور نقل الطاقة بالليزر
- Space Solar في المملكة المتحدة تستهدف المناطق النائية والقطبية
لكن ما يميز كالتيك هو إثبات التكامل الكامل للنظام في مهمة واحدة.
الخلاصة
الطاقة الشمسية الفضائية لم تعد خيالًا علميًا، لكنها لم تصبح بعد واقعًا تجاريًا. ما يقدمه مشروع كالتيك هو إثبات أن العقبات التقنية الأساسية قد تم تجاوزها، وأن التحدي المتبقي هو التصنيع واسع النطاق وخفض التكاليف. في عالم يبحث عن طاقة نظيفة، مستمرة، وآمنة، قد يكون ” حصاد الشمس من الفضاء“ أحد أكثر المسارات جرأة…
📚 المصدر:
pv magazine USA. (2025, October 22). Researchers envision a “bright harvest” from space-based solar power



