هل تصبح الطاقة العمودية مفتاح الاستيطان البشري على القمر؟
مقدمة
في خطوة تعكس التحول من ” بعثات قمرية قصيرة الأمد “ إلى بنية تحتية قمرية مستدامة، أعلنت شركة Astrobotic Technology الأميركية وشركة American Honda Motor عن اتفاقية تطوير مشترك تهدف إلى إنشاء حل متكامل لتوليد وتخزين الطاقة على سطح القمر، قادر على دعم المهام القمرية لفترات طويلة، حتى خلال الليالي القمرية الطويلة. الشراكة تجمع بين مصفوفات شمسية عمودية متقدمة وتقنية خلايا وقود تجديدية، في محاولة لمعالجة أحد أصعب تحديات الاستكشاف القمري: انقطاع الطاقة خلال فترات الظلام التي قد تمتد لأسبوعين أرضيين.
تحدي الطاقة على القمر: الشمس موجودة… لكن ليس دائمًا
على عكس الأرض، يواجه القمر دورات نهار وليل طويلة للغاية. ففي بعض المواقع، وخاصة قرب القطب الجنوبي القمري، قد تغيب الشمس لفترات ممتدة، ما يجعل الاعتماد على الطاقة الشمسية التقليدية غير كافٍ.
من هنا جاءت فكرة الجمع بين:
- توليد ذكي للطاقة الشمسية
- تخزين طويل الأمد للطاقة
- أنظمة تعمل في حلقة مغلقة دون هدر الموارد
وهو ما تسعى هذه الشراكة إلى تحقيقه.
LunaGrid وVSAT : بنية تحتية قمرية ناشئة
تعتمد Astrobotic في هذا المشروع على خدمتها LunaGrid، وهي منصة طاقة مصممة خصيصًا لتوفير إمدادات كهرباء مستدامة على سطح القمر. الركيزة الأساسية لهذه المنظومة هي تقنية المصفوفات الشمسية العمودية (Vertical Solar Array Technology – VSAT)، والتي تتميز بعدة خصائص حاسمة:
- تصميم عمودي يتيح التقاط أشعة الشمس بزوايا منخفضة
- نظام ذاتي التسوية وقادر على تتبع الشمس
- ملاءمة عالية لبيئة القمر القاسية
وتعمل الشركة حاليًا على تطوير:
- نظام VSAT بقدرة 10 كيلوواط
- نظام VSAT-XL بقدرة تصل إلى 50 كيلوواط
ما يجعل التقنية قابلة للتوسع حسب حجم المهمة.
دور Honda : تخزين الطاقة في صورة هيدروجين
العنصر الثاني في هذه المعادلة هو نظام خلايا الوقود التجديدية (Regenerative Fuel Cell – RFC) الذي تطوره Honda، وهو نظام ذكي يقوم بـ:
- استخدام الطاقة الشمسية خلال النهار القمري لإجراء تحليل كهربائي للماء
- تخزين الطاقة على هيئة هيدروجين وأكسجين
- إعادة تحويل الهيدروجين إلى كهرباء خلال الليل القمري
- إعادة تدوير الماء الناتج لتشكيل دورة طاقة مغلقة بالكامل
الميزة الأهم هنا أن الناتج الوحيد لتوليد الكهرباء هو الماء، ما يقلل الحاجة لإمدادات خارجية ويعزز الاستدامة.
دراسة جدوى واقعية… لمدة عام قمري كامل
في إطار اتفاقية التطوير المشترك، سيجري الطرفان محاكاة مفصلة لمدة عام كامل لظروف الإشعاع الشمسي في مواقع متعددة قرب القطب الجنوبي للقمر، باستخدام نظامي VSAT بقدرتي 10 و50 كيلوواط.
الهدف من هذه الدراسة:
- تحديد كمية الطاقة الشمسية المتاحة فعليًا
- تقييم قدرة الأنظمة على دعم التحليل الكهربائي خلال النهار
- تقدير حجم نظام التخزين المطلوب لتغطية الليل القمري
- مواءمة تصميم خلايا الوقود مع سيناريوهات المهمات المختلفة
قابلية التوسع والتكامل: من التجربة إلى البنية التحتية
لن تقتصر الدراسة على الجوانب النظرية، بل ستشمل:
- تقييم قابلية التوسع لنظام Honda RFC ضمن LunaGrid
- اختبار التكامل البرمجي والعتادي بين الأنظمة
- تحديد متطلبات التشغيل الموثوق في بيئة قمرية قاسية
وهي خطوات ضرورية لتحويل التقنية من نموذج تجريبي إلى بنية تحتية تشغيلية حقيقية.
من أيام إلى سنوات: قفزة في عمر المهمات
بحسب بوبي رولي، مهندس أنظمة الطاقة القمرية في Astrobotic، يمكن لمنصة LunaGrid أن:
”تمدد مدة المهمات القمرية من أيام إلى سنوات، ما يزيد العائد العلمي والتقني لكل دولار يتم استثماره “
ويرى أن دمج تقنيات Honda في التخزين سيعزز قدرات LunaGrid وVSAT معًا، ويفتح المجال أمام:
- مهمات بشرية طويلة الأمد
- تطوير بنية تحتية دائمة على سطح القمر
- دعم صناعات قمرية مستقبلية
سباق عالمي نحو طاقة القمر
يأتي هذا الإعلان في سياق اهتمام متزايد بالطاقة القمرية، إذ أعلنت شركة Lockheed Martin في أبريل الماضي عن تطويرها لتقنية VSAT مخصصة للنشر على سطح القمر، ما يؤكد أن الطاقة أصبحت حجر الأساس لأي وجود قمري مستدام.
الخلاصة
ما نشهده اليوم ليس مجرد تطوير تقني معزول، بل بناء منظومة طاقة كاملة خارج كوكب الأرض.
الدمج بين المصفوفات الشمسية العمودية والتخزين الهيدروجيني قد يكون الحل الأكثر واقعية لتجاوز تحدي الليل القمري، وتمهيد الطريق نحو وجود بشري دائم على القمر. الطاقة، مرة أخرى، هي التي ترسم حدود الاستكشاف.
📚 المصدر:
pv magazine USA. (2025, October 6). Astrobotic, Honda developing vertical solar, storage solution for lunar missions.
