الإستدامةتخزين الطاقة

عندما تصبح الحرارة خطرًا استراتيجيًا: كيف يعيد التبريد بالغمر تعريف سلامة أنظمة تخزين الطاقة؟

مقدمة

لم تعد أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات مجرد عنصر داعم لدمج الطاقة المتجددة أو وسيلة لتحسين مرونة الشبكات الكهربائية. مع توسّع استخدامها في الشبكات، المدن، مراكز البيانات، ومحطات شحن المركبات الكهربائية، أصبحت هذه الأنظمة بنية تحتية حرجة، وأي خلل فيها قد يتجاوز حدود الخسائر المالية ليصل إلى مخاطر السلامة العامة.

في قلب هذا التحدي يقف عامل غالبًا ما يُستهان به في مراحل التصميم الأولى:  إدارة الحرارة.

الحرارة… العدو الصامت للبطاريات

بطاريات الليثيوم-أيون حسّاسة بطبيعتها للحرارة. ارتفاع درجة الحرارة لا يعني فقط تراجعًا تدريجيًا في الأداء، بل قد يكون بداية لسلسلة أحداث خطيرة تبدأ بتدهور كيميائي غير متوازن، وتصل في أسوأ السيناريوهات إلى الانفلات الحراري—وهو تفاعل ذاتي متسارع لا يمكن إيقافه بسهولة، وغالبًا ما ينتشر من خلية إلى أخرى.

لهذا، فإن التبريد في أنظمة BESS ليس مسألة راحة تشغيلية أو تحسين كفاءة فحسب، بل خط الدفاع الأول ضد الحريق والفشل النظامي.

ثلاث مدارس للتبريد… وثلاث فلسفات مختلفة للمخاطر

على مدى السنوات الماضية، تشكّلت ثلاث مقاربات رئيسية لإدارة الحرارة في أنظمة التخزين، لكل منها منطقها، وحدودها.

التبريد بالهواء: البساطة بثمن خفي

يُعد التبريد بالهواء أقدم الحلول وأكثرها انتشارًا، خاصة في الأنظمة الصغيرة أو منخفضة الكثافة. يعتمد على تدوير الهواء عبر مراوح أو أنظمة تكييف لسحب الحرارة بعيدًا عن وحدات البطاريات.

في البيئات المستقرة، ومع الأحمال المحدودة، يمكن لهذا الحل أن يؤدي الغرض. لكنه يعاني من مشكلة جوهرية: الهواء ناقل ضعيف للحرارة. ومع ازدياد كثافة الطاقة، تبدأ النقاط الساخنة بالظهور داخل الوحدات دون أن تكون مرئية أو قابلة للرصد المبكر.

الأخطر من ذلك أن التبريد بالهواء لا يلعب أي دور في منع أو احتواء الحريق. فعند حدوث الانفلات الحراري، يصبح النظام معتمدًا بالكامل على أنظمة إطفاء خارجية قد لا تتفاعل بالسرعة المطلوبة.

التبريد بالألواح السائلة: خطوة للأمام… لكن ليست كافية

جاء التبريد بالألواح السائلة كحل وسيط، مستفيدًا من قدرة السوائل الأعلى على نقل الحرارة. تُثبَّت ألواح معدنية مبرّدة بسائل ملاصقة لوحدات البطاريات، فتسحب الحرارة عبر التلامس المباشر.

يوفر هذا الحل أداءً حراريًا أفضل من الهواء، ويُستخدم على نطاق واسع في التطبيقات المتوسطة. لكنه يظل تبريدًا سطحيًا في جوهره. أي فجوة، أو تفاوت في الضغط، أو عدم تجانس في التلامس، يمكن أن يؤدي إلى مناطق حرارة مرتفعة داخل الخلايا نفسها.

ومثل التبريد بالهواء، فإن هذا النظام لا يمنع الحريق، بل يتطلب دمجه مع أنظمة إطفاء إضافية، ما يزيد التعقيد والتكلفة دون معالجة جذرية للمخاطر.

التبريد بالغمر: تغيير قواعد اللعبة

هنا يظهر التبريد بالغمر ليس كتقنية محسّنة، بل كتحوّل مفاهيمي في التعامل مع البطاريات.

بدل محاولة سحب الحرارة من الخارج، يقوم هذا النهج على غمر كل خلية بطارية بالكامل في سائل خاص غير موصل للكهرباء، مثبط للاشتعال، وعالي الاستقرار الحراري. بهذه الطريقة، يتم سحب الحرارة مباشرة من جميع أسطح الخلية، وبشكل متجانس وفوري.

لكن القيمة الحقيقية للتبريد بالغمر لا تتوقف عند الكفاءة الحرارية.

السلامة مدمجة… وليست ملحقًا

في أنظمة التبريد التقليدية، تأتي السلامة كطبقة إضافية: أجهزة استشعار، أنظمة إطفاء، بروتوكولات طوارئ.
أما في التبريد بالغمر، فالسلامة جزء من التصميم نفسه.

عزل الخلايا عن الأكسجين يزيل أحد أضلاع مثلث الحريق. امتصاص القفزات الحرارية يمنع تصاعد التفاعل. واحتواء الخلية المتضررة داخل السائل يمنع انتقال الخطر إلى باقي النظام.

بهذا المعنى، لا يُطفئ التبريد بالغمر الحريق، بل يمنعه من التكوّن أساسًا.

عمر أطول… وعائد أعلى

إدارة الحرارة المتجانسة تعني ضغطًا أقل على الخلايا، وتدهورًا أبطأ، وعمرًا تشغيليًا أطول.
تشير البيانات إلى أن البطاريات المبردة بالغمر يمكن أن تحتفظ بأدائها لفترة أطول تصل إلى 20–22%  مقارنة بالأنظمة التقليدية. هذا الامتداد في العمر لا ينعكس فقط على السلامة، بل مباشرة على:

  • تقليل تكاليف الاستبدال
  • خفض الصيانة
  • تحسين التكلفة المستوية للتخزين
  • وتعظيم عائد الاستثمار طويل الأمد

وهنا تتقاطع إدارة الحرارة مع التحليل المالي بشكل مباشر.

هل للتبريد بالغمر ثمن؟ نعم… لكنه محسوب

لا تتجاهل الدراسات القيود الواقعية لهذا النهج. فأنظمة الغمر تتطلب:

  • مساحة إضافية لخزانات السوائل
  • وزنًا أكبر
  • تكلفة رأسمالية أولية أعلى

لكن عند النظر إلى الصورة الكاملة—خفض المخاطر، تقليل الحوادث، إطالة العمر، والاستغناء عن أنظمة إطفاء معقدة—يتحول هذا ”الثمن“ إلى استثمار وقائي يعود بعوائد ملموسة على المدى المتوسط والطويل.

متى يصبح التبريد بالغمر ضرورة لا خيارًا؟

في التطبيقات منخفضة المخاطر، قد يظل التبريد بالهواء أو الألواح السائلة كافيًا. لكن في البيئات التي لا تحتمل الفشل—مثل:

  • الأنظمة المرتبطة مباشرة بالشبكة
  • مراكز البيانات
  • محطات شحن المركبات الكهربائية
  • الشبكات الصناعية المصغّرة
  • المناطق الحضرية عالية الكثافة

يصبح التبريد بالغمر ليس الخيار الأفضل فحسب، بل الخيار الوحيد المتوافق مع متطلبات السلامة المستقبلية.

الخلاصة

مع انتقال أنظمة تخزين الطاقة من حلول مساندة إلى بنية تحتية حرجة، لم يعد السؤال هو:
كيف نبرّد البطاريات؟

بل: كيف نمنع المخاطر قبل أن تبدأ؟

التبريد بالغمر يقدّم إجابة مختلفة—إجابة ترى السلامة، الأداء، والعائد الاستثماري كمنظومة واحدة لا يمكن فصل عناصرها. وفي عالم تتزايد فيه كثافة الطاقة وتعقيد الشبكات، قد لا يكون هذا النهج ترفًا تقنيًا، بل شرطًا أساسيًا لبنية طاقة آمنة ومستدامة.

📚  المصدر:

EticaAG Technical Team. (n.d.). The evolution of BESS cooling + fire suppression: Air, liquid plate, and immersion. EticaAG.

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري