هل تخرج الخلايا الترادفية من المختبر أخيرًا؟
فريق سنغافوري يحقق كفاءة تفوق 30% واستقرارًا حراريًا طويل الأمد

مقدمة
لأعوام طويلة، بدت الخلايا الشمسية الترادفية بيروفسكايت–سيليكون وكأنها رهان علمي مغرٍ لكنه هش. كفاءات قياسية في المختبر، يقابلها ضعف في الاستقرار وصعوبات كبيرة في التصنيع على رقائق سيليكون صناعية حقيقية. اليوم، يعلن باحثون من National University of Singapore عن تقدم قد يغيّر هذه المعادلة جذريًا.
فقد نجح الفريق البحثي في تطوير خلايا ترادفية تعتمد على الترسيب بالبخار (Vapor Deposition)، محققة كفاءة تحويل طاقي تتجاوز 30% مع استقرار تشغيلي وحراري طويل الأمد على رقائق سيليكون صناعية ذات سطح محكم التشكيل (Textured Wafers) — وهي نفس البنية المستخدمة في خطوط الإنتاج التجارية اليوم.
لماذا يُعد الاستقرار العقبة الأكبر؟
من الناحية النظرية، تمثل الخلايا الترادفية الحل الأمثل لتجاوز حدود كفاءة السيليكون التقليدي، عبر تقسيم الطيف الشمسي بين مادتين تمتصان الضوء بكفاءة أعلى. لكن المشكلة لم تكن يومًا في الكفاءة وحدها، بل في قدرة هذه الخلايا على الصمود تحت ظروف التشغيل القاسية: حرارة مرتفعة، إضاءة مستمرة، وفترات تشغيل طويلة تمتد لسنوات.
معظم خلايا البيروفسكايت السابقة أظهرت تدهورًا سريعًا عند التعرض لهذه الظروف، ما جعلها غير جاهزة للاستخدام التجاري، مهما بدت أرقامها في المختبر مثيرة للإعجاب.
اختراق تقني على رقائق صناعية حقيقية
الإنجاز الأبرز للفريق السنغافوري يتمثل في كونه أول تطبيق ناجح للترسيب بالبخار على رقائق سيليكون صناعية ذات نسيج هرمي ميكرومتري. هذا النوع من الأسطح، المستخدم لخفض الانعكاس في الخلايا التجارية، كان لعقود عقبة رئيسية أمام دمج طبقات البيروفسكايت بشكل متجانس.
قاد هذا العمل الباحث Hou Yi، الأستاذ المساعد في الهندسة الكيميائية والبيولوجية الجزيئية، ورئيس مجموعة الخلايا الشمسية متعددة الوصلات القائمة على البيروفسكايت في Solar Energy Research Institute of Singapore (SERIS)
أرقام تتحدث بلغة الصناعة
بحسب نتائج الدراسة المنشورة في مجلة Science، حققت الخلايا:
- كفاءة تحويل طاقي تفوق 30%
- استقرارًا تشغيليًا يتجاوز 2000 ساعة
- عمرًا تشغيليًا من نوع T90 يزيد عن 1400 ساعة عند 85 درجة مئوية
- اختبارًا قياسيًا تحت إضاءة مكافئة لشمس واحدة (1000 واط/م²)
هذه الشروط تُعد من أكثر اختبارات الإجهاد صرامة في صناعة الخلايا الشمسية، وتجاوزها يمثل خطوة حاسمة نحو الثقة الصناعية.
سر النجاح: كيمياء الواجهة
فشلت محاولات سابقة للترسيب بالبخار لأن طبقات البيروفسكايت لم تكن تتشكل بشكل متجانس على الأسطح الهرمية الحادة. هنا جاء الحل من تصميم جزيء رابط خاص بالسطح، يعمل على موازنة امتصاص مركبات البيروفسكايت أثناء الترسيب، ما أتاح تكوين طبقة موحدة ومستقرة حراريًا.
النتيجة كانت خلايا قادرة على الحفاظ على أدائها تحت الحرارة والإضاءة المستمرة — وهما العاملان الأكثر تدميرًا لتقنيات البيروفسكايت التقليدية.
من البحث إلى السوق: الطريق أصبح أوضح
لا يكتفي الفريق بالإعلان عن النتائج، بل يضع بوضوح الخطوة التالية: الانتقال من الخلايا المخبرية إلى وحدات كبيرة المساحة، ودمج التقنية في خطوط إنتاج تجريبية. وهذه المرحلة هي الفيصل الحقيقي بين إنجاز أكاديمي واختراق صناعي. وفي موازاة ذلك، يعمل الباحثون على تطوير تراكيب بيروفسكايت جديدة وواجهات محسّنة، مصممة منذ البداية لتكون قابلة للتصنيع على نطاق واسع.
سياق أوسع: سنغافورة في طليعة الخلايا المتقدمة
يأتي هذا الإنجاز في سياق زخم بحثي متواصل داخل SERIS، حيث أعلن الباحثون في يونيو الماضي عن رقم قياسي عالمي معتمد لكفاءة 26.4% في خلايا ترادفية بيروفسكايت–عضوية، ما يؤكد أن التركيز لا ينصب فقط على كسر الأرقام، بل على تنويع المسارات التقنية القابلة للتطبيق التجاري.
الخلاصة
ما يميز هذا التطور ليس فقط تجاوزه حاجز 30%، بل معالجته واحدة من أعقد المعضلات التي واجهت الخلايا الترادفية: الاستقرار على رقائق صناعية حقيقية. إذا نجح الفريق في توسيع نطاق التصنيع دون فقدان الأداء، فقد نشهد خلال السنوات القليلة القادمة أول موجة تجارية حقيقية من الخلايا الترادفية بيروفسكايت–سيليكون، لتبدأ مرحلة جديدة في تطور الطاقة الشمسية عالية الكفاءة.
📚 المصدر:
pv magazine. (2025, December 23). Singapore team develops durable perovskite-silicon tandem solar cells.



