اخر الأبحاثالإستدامةتخزين الطاقة

هل تعيد CATL رسم خريطة تقنيات تخزين الطاقة ببطاريات الصوديوم-أيون؟

مقدمة

في وقتٍ يشهد فيه قطاع تخزين الطاقة العالمي إعادة تقييم شاملة لسلاسل التوريد والتكاليف والمخاطر الجيوسياسية، تعود بطاريات الصوديوم-أيون إلى الواجهة بوصفها خيارًا استراتيجيًا مكملًا – لا بديلًا مباشرًا – لبطاريات الليثيوم-أيون. وفي هذا السياق، أعلنت شركة CATL  الصينية عن توسع كبير وتحسينات تقنية جوهرية في محفظة بطاريات الصوديوم-أيون الخاصة بها، مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستشهد نهجًا ”مزدوجًا“ تتعايش فيه تقنيتا الصوديوم والليثيوم جنبًا إلى جنب حتى عام 2026.

إعلان 2026: من المختبر إلى التوسع التجاري

خلال مؤتمر الموردين الذي عُقد في ديسمبر 2025 بمدينة نينغده في مقاطعة فوجيان الصينية، كشفت CATL عن خططها لتوسيع نطاق استخدام بطاريات الصوديوم-أيون ليشمل تخزين الطاقة على نطاق الشبكات، إلى جانب تطبيقاتها الحالية في أنظمة تبديل البطاريات، ومركبات الركاب، والمركبات التجارية.

هذا الإعلان لا يعكس مجرد توسيع في التطبيقات، بل يؤشر إلى تحول استراتيجي في رؤية الشركة، يقوم على فكرة أن مستقبل التخزين الكهربائي لن تحكمه تقنية واحدة، بل مزيج متكامل تُوظّف فيه كل كيمياء بطارية وفق نقاط قوتها.

Naxtra: العلامة التي أعادت الصوديوم إلى المنافسة

في مطلع عام 2025، أطلقت CATL علامتها التجارية لبطاريات الصوديوم-أيون تحت اسم Naxtra، متضمنة خطي إنتاج رئيسيين. الأول موجّه لسيارات الركاب كبطارية متكاملة، والثاني عبارة عن بطارية صوديوم-أيون بجهد 24 فولت مخصصة لتشغيل ووقوف الشاحنات الثقيلة.

الميزة الأبرز لهذه البطاريات لم تكن فقط في الكيمياء البديلة، بل في نطاق التشغيل الحراري الواسع الذي يمتد من ‎-40°C  إلى ‎+70°C، ما يجعلها مناسبة لبيئات قاسية تعاني فيها بطاريات الليثيوم التقليدية من تحديات كبيرة في التدفئة أو التبريد. هذا العامل وحده يمنح بطاريات الصوديوم-أيون أفضلية واضحة في أسواق معينة، خاصة في المناطق شديدة البرودة أو الحرارة.

أداء تقني يقترب من الليثيوم

أكدت CATL أن الجيل القادم من بطاريات الصوديوم-أيون سيصل إلى كثافة طاقة تبلغ 175 واط ساعة/كغ، مع قدرة على دعم مدى قيادة يصل إلى 500  كيلومتر في تطبيقات سيارات الركاب المخطط لها بحلول 2026.

صحيح أن هذه القيم لا تزال أقل من بعض بطاريات الليثيوم-أيون المتقدمة، لكنها تمثل قفزة كبيرة مقارنة بالمستويات التي كانت تُنسب تاريخيًا إلى بطاريات الصوديوم. والأهم من ذلك أن هذه الكثافة تأتي مقترنة بمزايا أخرى، مثل الاستقرار الحراري الأعلى والسلامة المحسّنة.

السلامة والبصمة الكربونية: نقاط قوة استراتيجية

بحسب إفصاحات سابقة لعلاقات المستثمرين في CATL، فإن بطاريات الصوديوم-أيون لا تتميز فقط بمرونتها الحرارية، بل أيضًا بـبصمة كربونية أقل ومستويات أمان أعلى مقارنة ببعض تقنيات الليثيوم-أيون. هذه الخصائص تجعلها جذابة بشكل خاص لتطبيقات تخزين الطاقة الثابتة، حيث تُعد السلامة وطول العمر التشغيلي عاملين حاسمين.

ويتقاطع هذا التوجه مع تحليلات International Renewable Energy Agency، التي تشير إلى أن بطاريات الصوديوم-أيون مرشحة للعب دور تكميلي في مزيج تقنيات التخزين المستقبلية، بدلًا من الدخول في منافسة صفرية مع الليثيوم.

عامل التكلفة: الصوديوم في مواجهة  LFP

تشير تقديرات حديثة إلى أن تكلفة خلايا بطاريات الصوديوم-أيون قد تنخفض إلى نحو 40  دولارًا/كيلوواط ساعة، وهو مستوى جذاب للغاية، خاصة لتطبيقات التخزين الثابت. في المقابل، تتوقع تقارير BloombergNEF  أن تنخفض أسعار بطاريات فوسفات الحديد-الليثيوم (LFP) المخصصة لتخزين الطاقة إلى نحو 70  دولارًا/كيلوواط ساعة في عام 2025، بعد تراجع حاد عن مستويات 2024.

هذا الفارق السعري المحتمل يفتح الباب أمام تقسيم وظيفي للسوق، حيث يمكن لبطاريات الصوديوم-أيون أن تستحوذ على حصة معتبرة من تطبيقات التخزين منخفضة التكلفة، بينما تواصل بطاريات الليثيوم – خاصة LFP – هيمنتها في التطبيقات التي تتطلب كثافة طاقة أعلى أو بنية تحتية قائمة.

التحدي الحقيقي: الطلب وسلسلة التوريد

على الرغم من التفاؤل المحيط ببطاريات الصوديوم-أيون، تحذّر IRENA من أن وتيرة نشر القدرات الإنتاجية المستقبلية لا تزال غير مؤكدة، بسبب تحديات تتعلق بتحفيز الطلب وبناء سلاسل توريد ناضجة. كما يبقى تطور أسعار الليثيوم والمواد الخام الأخرى عاملًا مؤثرًا في تحديد سرعة التحول نحو البدائل.

دلالات استراتيجية لقطاع تخزين الطاقة

ما تعلنه CATL اليوم يتجاوز كونه تحديثًا تقنيًا لمنتج جديد؛ إنه يعكس إعادة رسم لخريطة تقنيات التخزين.  فبدل الرهان على ” تقنية واحدة رابحة“، تتجه الصناعة نحو مزيج متكامل تُستخدم فيه بطاريات الصوديوم-أيون حيثما تكون التكلفة والسلامة والمرونة الحرارية أولوية، بينما تستمر بطاريات الليثيوم-أيون في لعب دورها المحوري في التطبيقات الأعلى كثافة للطاقة.

الخلاصة

تؤكد تحركات CATL أن بطاريات الصوديوم-أيون خرجت من إطار الحلول التجريبية، لتدخل مرحلة التوسع التجاري المنهجي. ومع اقتراب عام 2026، يبدو أن مستقبل التخزين الكهربائي سيتسم بازدواجية ذكية، لا تتنافس فيها تقنيات البطاريات بقدر ما تتكامل،  وفي عالم يسعى إلى خفض التكاليف، وتعزيز أمن الإمدادات، وتقليل البصمة الكربونية، قد يكون هذا التعايش بين الصوديوم والليثيوم هو المعادلة الأكثر واقعية.

📚  المصدر

CATL confirms a significant improvement in its sodium-ion battery product range and its expansion until 2026
Tristan Rayner – December 29, 2025 – pv magazine LATAM

https://www.pv-magazine-latam.com/2025/12/29/catl-confirma-una-importante-mejora-en-su-gama-de-productos-de-baterias-de-iones-de-sodio-y-su-expansion-hasta-2026/

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري