بطاريات تشكيل الشبكة: الحل الاستراتيجي لضمان استقرار نظم الطاقة المتجددة

مع التوسع السريع في دمج مصادر الطاقة المتجددة ضمن الشبكات الكهربائية، باتت التحديات المتعلقة بالاستقرار الديناميكي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. وفي هذا السياق، يبرز دور أنظمة تخزين الطاقة المعتمدة على بطاريات تشكيل الشبكة (GFM BESS) كعنصر محوري في إعادة تشكيل مفاهيم الثبات، التحكم، والاستجابة السريعة داخل منظومات الطاقة. يقدم تقرير ESIG وGridLab تحليلاً معمقاً مبنياً على نماذج محاكاة متقدمة، ويسلط الضوء على الأداء المتميز لأنظمة GFM مقارنة بالتقنيات التقليدية.
نظرة تقنية معمقة على تحول الشبكات
تتجه الشبكات الكهربائية تدريجياً نحو الاعتماد المتزايد على الموارد المعتمدة على العواكس الكهربائية (Inverter Based Resources IBRs)، في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن هذه الموارد قد تشكل أكثر من 60% من مزيج الطاقة في العديد من الشبكات بحلول عام 2035. ورغم ما تحققه هذه الموارد من مكاسب بيئية واقتصادية، إلا أنها تفقد العديد من الخصائص الطبيعية التي توفرها المولدات التزامنية التقليدية، مثل القصور الذاتي واستجابة التردد الفورية، وهو ما يؤدي إلى تدهور قدرة الشبكة على التعامل مع الاضطرابات المفاجئة.
فعلى سبيل المثال، ينخفض القصور الذاتي في الشبكات المعتمدة على IBRs إلى أقل من ثانية واحدة، مقارنة بـ 5 إلى 6 ثوانٍ في الشبكات التقليدية. كما تصبح استجابة التردد الأولية أبطأ بنسبة قد تصل إلى 60%، وتظهر حالات عدم استقرار واضحة عند تجاوز نسب اختراق الطاقة المتجددة حدود 30-40%، خصوصاً في الشبكات الضعيفة.
الفروقات الجوهرية بين أنظمة GFM وGFL
يُظهر التحليل المقارن أن أنظمة Grid Forming GFM تتفوق بشكل لافت على نظيراتها من نوع GFL Grid Following، فبينما تعتمد أنظمة GFL على تتبع الجهد المرجعي الخارجي، تقوم أنظمة GFM بتوليد إشارة جهد مستقلة، ما يمنحها قدرة تشكيل ذاتي للشبكة واستجابة أسرع للتغيرات. وتبلغ سرعة استجابة التردد في GFM نحو 2 إلى 5 هرتز في الثانية، مقارنة بـ 0.5 إلى 1 هرتز في الثانية في GFL، كما تتميز بنسبة تخميد أعلى ووقت استجابة أقصر.
تشير نتائج اختبارات NERC ودراسات Electranix إلى أن أنظمة GFM قادرة على العمل في بيئات ذات نسبة تفاعل شبكة منخفضة، بينما تحتاج أنظمة GFL إلى ظروف أقوى لضمان تشغيل مستقر.
نتائج دراسات الحالة والتحليل الديناميكي
في دراسات الحالة الميدانية التي شملها التقرير، تم التركيز على منطقتي شبكيتين: واحدة ضعيفة، وأخرى قوية. ففي المنطقة الأولى، أظهرت اختبارات فقدان خط نقل رئيسي (N-1) أن أنظمة GFM حافظت على استقرار الجهد ضمن حدود ±5%، في حين تسببت أنظمة GFL في تذبذبات غير مستقرة. أما في سيناريو N-1-1، فقد تطلب استخدام GFL تقييد 250 ميغاواط من الطاقة المتجددة، بينما سمحت GFM بخفض التقييد إلى 50 ميغاواط فقط.
وفي المنطقة القوية، استطاعت أنظمة GFM تقليص زمن استعادة الجهد بنسبة 60%، وتحسين معامل القدرة من 0.92 إلى 0.98، إلى جانب تقليل الذبذبات التوافقية إلى نحو 1.8% فقط، مقارنة بـ 3.2% في النظم التقليدية.
استراتيجية التطوير: التقنية والتنظيم
يتطلب الانتقال إلى أنظمة GFM إطاراً تقنياً متكاملاً يشمل تطوير مكتبات نمذجة دقيقة، تضم نماذج للتحليل العابر، ونماذج للتخطيط الطويل الأمد، إلى جانب نماذج الحالة الثابتة لتقييم تدفق الأحمال. كما أن الإطار التنظيمي بحاجة إلى تحديث جذري، بحيث يتضمن متطلبات أداء محددة لأنظمة GFM، مثل التشكيل الذاتي، الاستجابة عالية التردد، ودعم الجهد الديناميكي.
أما من الجانب الاقتصادي، فإن إدماج آليات تسعير جديدة يتيح حوافز ملموسة للمطورين، تشمل تعويضات للقصور الذاتي الافتراضي، وتسعير مخصص للاستجابة الأولية للتردد، ومكافآت لتحسين معامل القدرة.
دراسات حالة عالمية ملهمة
من أبرز التطبيقات الواقعية التي أوردها تقرير ESIG، يبرز مشروع Hornsdale في أستراليا، الذي يعمل بقدرة 150 ميغاواط / 194 ميغاواط ساعة. وقد أظهرت التحليلات أن هذا المشروع خفّض تكاليف خدمات الشبكة بنسبة 40%، وقلّص تكاليف التقييد بنحو 12 مليون دولار سنوياً.
كما يقدم نظام Kauai في هاواي مثالاً ناجحاً آخر، حيث مكّن تخزين GFM من تحقيق اختراق بنسبة 70% للطاقة المتجددة، وألغى الحاجة للمولدات الاحتياطية، إلى جانب تحسين كفاءة النظام بنسبة 18%.
خارطة طريق مستقبلية
بحسب التوصيات الواردة في التقرير، فإن خارطة الطريق التقنية تشمل ثلاث مراحل رئيسية: أولها مرحلة التجارب الميدانية بين عامي 2024 و2026، يعقبها تطوير معياري بين 2026 و2028 لتوحيد النماذج، وتنتهي بمرحلة نشر واسع بحلول 2030، بهدف الوصول إلى حصة سوقية تتراوح بين 30 و40% لأنظمة GFM
الخلاصة والتوصيات
تُعد أنظمة GFM BESS حجر الزاوية في مستقبل الشبكات الكهربائية، لما توفره من قدرة فريدة على الجمع بين الاستقرار، المرونة، والكفاءة. ويتطلب تسريع تبني هذه التقنيات تعاوناً وثيقاً بين مشغلي الشبكات، الجهات التنظيمية، ومجتمعات البحث والتطوير، خصوصاً لتفعيل برامج اختبارات أد
اء طويلة الأجل، وتأسيس منصات تدريبية متخصصة، وإنشاء مراكز تميز لتطوير خوارزميات التحكم المتقدمة.
📚 التقرير المرجعي للمقال من هنا
كما تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من المواصفات والمتطلبات الإضافية المتعلقة بأنظمة GFM متاحة ضمن مورد “GFM landscape” الذي يقدمه تحالف ESIG، ويمكن الاطلاع عليها عبر الرابط
