اخر الأبحاثالإستدامةالطاقة الشمسية

هل تصبح السكك الحديدية محطات طاقة شمسية متنقلة؟ تجربة سويسرا تفتح آفاقًا جديدة

في خطوة غير مسبوقة نحو تعزيز استدامة قطاع النقل والطاقة في العالم، أعلنت شركة Sun-Ways السويسرية الناشئة عن تدشين أول محطة طاقة شمسية قابلة للإزالة تم تثبيتها على سكك حديدية نشطة. هذا المشروع المبتكر يمثل خطوة هامة نحو تسخير البنية التحتية القائمة لتوليد الطاقة المتجددة، ويُعدّ الأول من نوعه على مستوى العالم.

One-metre-wide solar panels pre-assembled placed between rail tracks and attached to the rails using a piston mechanism. https://doi.org/10.1016/j.prime.2023.100229

 محطة شمسية فريدة في جبال نوشاتيل

تُركّب المحطة الشمسية في منطقة نوشاتيل الجبلية الغربية بسويسرا، وتأتي محملة بـ48 لوحة شمسية ذات قدرة 385 واط لكل منها، ليكون إجمالي قدرة المحطة 18 كيلوواط. من المتوقع أن تنتج المحطة حوالي 16 ميغاواط ساعة من الطاقة سنوياً، والتي ستُغذى مباشرة شبكة الكهرباء العامة التي تبعد حوالي 500 متر عن الموقع.

Schematic diagram of photovoltaic power plant alongside the railway track in Bangladesh. https://doi.org/10.1016/j.prime.2023.100229

ستكون هذه المحطة بمثابة اختبار لمدى إمكانية دمج هذه الأنظمة الشمسية مع بنية السكك الحديدية، حيث تمر القطارات فوقها بدءاً من نهاية أبريل 2025، مما يعكس قدرة هذا النموذج على العمل بكفاءة في بيئات ديناميكية. تتطلب هذه المبادرة توفير الاستمرارية في تشغيل السكك الحديدية مع توليد الطاقة النظيفة، وهو ما جعل من هذه التجربة تحدياً تقنياً كبيراً.

 تسليط الضوء على الابتكار: قابلية الإزالة والتحديات البيئية

تعد قابلية إزالة هذه المحطة الشمسية واحدة من أبرز مميزاتها. فقد حصلت المحطة على تصاريح من المكتب الفيدرالي السويسري للنقل في أكتوبر 2024 بعد إجراء اختبارات وتحليلات فنية دقيقة. وهذا يعكس التزام السويسريين بالاستدامة والابتكار في مختلف القطاعات.

ومع أن المشروع قد تم طرحه بحذر شديد بالنظر إلى المخاوف المرتبطة بتراكم الأوساخ والتأثيرات الميكانيكية الناتجة عن حركة القطارات، إلا أن Sun-Ways تسعى إلى جمع البيانات على مدى ثلاث سنوات لتقييم تأثيرات هذه المحطات على السكك الحديدية وعلى الألواح الشمسية نفسها. ستشمل هذه البيانات تحسينات محتملة على المواد الماصة للضوء والتأكد من استمرار فعالية الألواح في الظروف البيئية المختلفة.

 الدراسة التقنية والاقتصادية: هل يمكن تطبيق هذا النموذج في دول أخرى؟

أظهرت دراسة دولية حديثة أجرتها مجموعة من الخبراء أن تركيب محطات شمسية بالقرب من السكك الحديدية قد يكون قابلاً للتطبيق تقنيًا واقتصاديًا في مناطق ريفية كثيرة. تشير الدراسات إلى أن هذا المشروع قد لا يخدم فقط على الصعيد البيئي، بل يمكن أن يكون مجديًا اقتصاديًا أيضًا، خاصة في البلدان ذات المناطق الواسعة غير المستغلة.

وفي حالة بنغلاديش، على سبيل المثال، أظهرت الأبحاث أن التربة اللينة التي تُقام عليها السكك الحديدية في هذه المنطقة يمكن أن تخفف من تأثير الاهتزازات الناتجة عن مرور القطارات، ما يعزز من استدامة النظام ويقلل من المخاطر المحتملة على الألواح الشمسية.

 التحديات المستقبلية: معايير الأوساخ والضغط الميكانيكي

رغم الإيجابيات، يبقى هناك العديد من التحديات التقنية التي يجب التغلب عليها لتحقيق أقصى استفادة من هذه التكنولوجيا. يعتبر التلوث الناتج عن الأوساخ أو الغبار أحد القضايا الرئيسية التي قد تؤثر على أداء الألواح الشمسية. فالأوساخ التي تتراكم على الألواح قد تؤدي إلى تقليل فعالية امتصاص الضوء، مما يضر في نهاية المطاف بالإنتاجية العامة للمحطة.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي مرور القطارات فوق الألواح إلى تأثيرات ميكانيكية قوية قد تؤثر سلبًا على العمر الافتراضي للألواح. ولكن من خلال تطبيق تقنيات الفحص والاختبارات المستمرة، مثل تلك التي يعتزم فريق Sun-Ways  تطبيقها، سيكون من الممكن تقليل هذه التأثيرات إلى حد كبير.

 التعاون الدولي: دراسة الجدوى العالمية

أشار حفل تدشين المشروع إلى أهمية التعاون الدولي في تبني هذه الأنماط الجديدة من توليد الطاقة، حيث حضر وفود من بلجيكا وفرنسا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، لتقييم إمكانية تنفيذ هذه التكنولوجيا في بلدانهم.

وبفضل هذا التعاون الدولي، ستتمكن هذه الدول من الاستفادة من الخبرات السويسرية في تصميم وتنفيذ محطات شمسية مشابهة للمحطات المثبتة على السكك الحديدية، مما يعزز فرص نشر الطاقة النظيفة في مناطق واسعة تحتاج إلى حلول مستدامة لتلبية احتياجاتها الطاقوية.

الخلاصة: نموذج مبتكر للمستقبل

تُعد هذه المبادرة خطوة مبتكرة نحو تكامل البنية التحتية للنقل مع حلول الطاقة المتجددة. يمثل المشروع السويسري نموذجًا رائدًا يجمع بين الاستدامة البيئية والتقنيات الحديثة، مما يفتح الباب أمام فرص عديدة لتوسيع نطاق استخدامها في العديد من البلدان.

إذا ما أثبت المشروع نجاحه على مدار السنوات المقبلة، فإنه قد يصبح نقطة انطلاق للعديد من المشاريع المماثلة حول العالم، مما يعزز من التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة ويقدم حلولًا جديدة للتحديات التي تواجه قطاع الطاقة والنقل في الوقت الراهن.

📚 مصدر الدراسة التقنية:
“Techno-economic study of a photovoltaic power plant besides the railway track for rural uses in Bangladesh”، منشورة في مجلة e-Prime – Advances in Electrical Engineering, Electronics and Energy.
للاطلاع على الدراسة من هنا

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري