اخر الأبحاثالإستدامةالطاقة الشمسية

أي طاقة أنسب لإنارة الشوارع؟ دراسة تايلاندية تفضّل الطاقة الشمسية على الرياح والكهروانضغاطية

في ظل تسارع مشاريع البنية التحتية الذكية وتنامي الحاجة لحلول إنارة مستدامة في المدن، تطرح نظم الشبكات المصغّرة (Nano-Grids) خياراً واعداً لإنارة الشوارع بكفاءة وموثوقية. ولكن يبقى السؤال: أي مصدر للطاقة أكثر جدوى من حيث الكفاءة الاقتصادية والتقنية؟

دراسة جديدة من تايلاند تقارن بين الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهروانضغاطية (Piezoelectric)  لتحديد الخيار الأمثل، والنتائج كانت حاسمة لصالح الطاقة الشمسية.

 ثلاث تقنيات، هدف واحد: إنارة الشوارع بذكاء

أجرى باحثون من معهد الملك مونغكوت للتكنولوجيا (KMITL) في تايلاند تقييماً دقيقاً لجدوى تشغيل نظام إنارة الشوارع الممتد لمسافة كيلومتر واحد باستخدام ثلاثة مصادر طاقة مختلفة:

  • ألواح شمسية أحادية البلورة بقدرة 350 واط
  • توربينات رياح رأسية بقدرة 100 واط لكل وحدة
  • صفائح كهروانضغاطية تولد الكهرباء من ضغط السيارات

وشملت الدراسة تقييماً مزدوجاً للأداء الطاقي والجدوى الاقتصادية لكل نظام، في ظل ظروف مناخية مثالية مثل تلك المتوفرة في بانكوك التي تستقبل أشعة الشمس من الساعة 6 صباحاً حتى 6 مساءً.

Nano-grid Street lighting systems

الأداء الطاقي: الطاقة الشمسية والرياح تتصدران

تمثل الحمل اليومي لنظام الإنارة في 80.6 كيلوواط.ساعة، باستخدام 56 عمود إنارة مزوّد بمصابيح LED بقدرة 120 واط.

أداء النظام الشمسي:

  • إنتاج يومي: 98 كيلوواط.ساعة
  • إنتاج سنوي: 37,770 كيلوواط.ساعة
PV system performance

أداء نظام الرياح (بافتراض مرور 20,000 سيارة يومياً):

  • إنتاج يومي: 227.5 كيلوواط.ساعة
  • إنتاج سنوي: 83,021 كيلوواط.ساعة

أداء النظام الكهروانضغاطي:

  • إنتاج يومي: 25.3 واط.ساعة فقط
  • إنتاج سنوي: 9.24 كيلوواط.ساعة
  • يتطلب تثبيت 4,466 صفيحة داخل الطريق

النتائج أوضحت أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن تسدان احتياجات الإنارة، لكن الأداء الطاقي للنظام الكهروانضغاطي كان ضئيلاً جداً مقارنة بالطلب الفعلي.

 الجدوى الاقتصادية: الشمس تضيء الطريق

أظهرت نتائج الدراسة أن أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية تتمتع بأفضل جدوى اقتصادية مقارنةً بمصادر الطاقة الأخرى المقترحة لإنارة الشوارع، وذلك بالنظر إلى كفاءة الإنتاج وتكاليف الاستثمار والعائد المالي. ففي حالة استخدام الألواح الشمسية، بلغ الإنتاج السنوي للطاقة 37,770 كيلوواط ساعة، بتكلفة مستوية للطاقة (LCOE)  قدرها 0.11 دولار/كيلوواط ساعة، وهي تكلفة منخفضة نسبياً عند مقارنتها بالتقنيات الأخرى. كما بلغت فترة الاسترداد المخصومة (DPP) حوالي 12.2 سنة، ومعدل العائد الداخلي  (IRR) 11%، مما يشير إلى ربحية مقبولة على المدى المتوسط. في المقابل، أظهرت الأنظمة المعتمدة على الطاقة الحركية (البيزوكهربائية) والرياح تكاليف استثمارية مرتفعة وعوائد منخفضة أو معدومة، حيث سجلت تقنية البيزوكهرباء فترة استرداد تتجاوز 20 سنة، وقيمة حالية صافية (NPV) سالبة بنحو 425,227 دولار، وتكلفة مستوية للطاقة تجاوزت 3,000 دولار لكل كيلوواط ساعة، ما يجعلها غير عملية تماماً. أما نظام التوربينات الهوائية، فرغم قدرته الإنتاجية العالية التي بلغت 83,021 كيلوواط ساعة سنوياً، إلا أن فترة الاسترداد الطويلة التي وصلت إلى 33.2 سنة، وغياب العائد الداخلي، جعلا منه خياراً غير مجدٍ اقتصادياً. بناءً على ذلك، خلصت الدراسة إلى أن الطاقة الشمسية تمثل الخيار الأمثل من الناحيتين التقنية والمالية لإنارة الشوارع، خاصة في المناطق ذات الإشعاع الشمسي العالي مثل تايلاند.

النظام الهجين: الحل الوسط الأمثل

رغم أن الطاقة الشمسية أثبتت تفوقها من حيث الجدوى الاقتصادية، إلا أن الباحثين اقترحوا سيناريو تكاملياً أكثر مرونة من خلال تطوير نظام هجين يجمع بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع دعم تخزيني باستخدام بطاريات الليثيوم-أيون أو بطاريات الرصاص-الحمضية. ويهدف هذا النهج إلى تحسين أداء الشبكة المصغّرة وتقليل الحاجة إلى أنظمة تخزين كبيرة، خصوصاً في الفترات التي تنخفض فيها قدرة أحد المصادر. في حالة استخدام بطاريات الليثيوم-أيون، بلغت السعة التخزينية المطلوبة 71.5 كيلوواط ساعة، مع تركيب نظام شمسي بقدرة 4.06 كيلوواط وطاقة رياح بقدرة 8 كيلوواط. وقد حقق هذا النظام فترة استرداد مخصومة تبلغ 13 سنة، ومعدل عائد داخلي بنسبة 5.5%، وصافي قيمة حالية قدره 45,820 دولار، ما يشير إلى جدوى اقتصادية واعدة. أما النظام المعتمد على بطاريات الرصاص-الحمضية، فقد تطلب سعة تخزينية أكبر بلغت 113 كيلوواط ساعة، وحقق فترة استرداد أطول بلغت 15.8 سنة، وعائداً داخلياً أقل بنسبة 3.4%، مع صافي قيمة حالية قدرها 16,280 دولار. ورغم أن النظام الهجين لم يتفوق على الطاقة الشمسية الخالصة من حيث المؤشرات المالية، إلا أنه يوفر توازناً مثالياً بين الاستقرار التشغيلي والاستفادة من تنوع مصادر الطاقة، ما يجعله خياراً استراتيجياً في حالات تقلب الموارد الطبيعية أو محدودية المساحات المتاحة لتركيب الألواح الشمسية.

 توصيات استراتيجية: نحو إنارة حضرية أكثر ذكاءً

أوضحت الدراسة أن النظام الهجين يقدّم خياراً عملياً لإنارة الشوارع في بيئات المدن الحضرية أو الطرق السريعة ذات حركة السيارات المرتفعة. وبينما أظهرت طاقة الرياح قدرة إنتاجية جيدة، فإن كلفتها الاستثمارية المرتفعة تجعل من الطاقة الشمسية الخيار الأكثر توازناً على المدى الطويل.

وخلص الباحثون إلى أن تصميم نظام إنارة يعتمد على مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع بطاريات تخزين عالية الكفاءة، هو الأنسب لتحقيق أهداف الاستدامة والجدوى الاقتصادية معاً.

المصدر العلمي

Ngaopitakkul, A., Yoomak, S. Investigating the feasibility of nano-grid infrastructure integration into street lighting systems based on energy production and economic evaluation. Sci Rep 14, 29833 (2024). https://doi.org/10.1038/s41598-024-80689-4

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري