اخر الأبحاثالإستدامة

اليابان تختبر جيلًا جديدًا من الألواح الشمسية الخفيفة: الكالكوبيريت في قلب الابتكار

في ظل السباق العالمي نحو تقنيات الطاقة المتجددة عالية الكفاءة وخفيفة الوزن، تبرز اليابان مجددًا كلاعب مبتكر في ساحة الطاقة الشمسية. حيث شرعت شركتا PXP Corporation  وJGC Japan Corporation  في تنفيذ مشروع تجريبي طموح في مدينة يوكوهاما لاختبار أداء ألواح شمسية تعتمد على معدن الكالكوبيريت (CuInSe₂)، في خطوة قد تغيّر مستقبل الاستخدامات الصناعية لأنظمة الطاقة الشمسية.

 مشروع تجريبي على أسطح صناعية حقيقية

يقوم المشروع، الذي يمتد على مدار عام كامل بقدرة 1 كيلوواط، بتركيب نماذج أولية من الألواح الشمسية الكالكوبيريتية فوق سطح مبنى يحاكي تصميم “الأسطح المطوية” المنتشرة في المصانع والمخازن اليابانية. وهذا ليس من قبيل المصادفة، بل يعكس توجهًا عمليًا لاختبار جدوى هذه التكنولوجيا في بيئات صناعية واقعية تتطلب حلولًا خفيفة الوزن وسهلة التركيب.

ما يميّز هذه الألواح هو خفة وزنها؛ إذ لا يتجاوز وزنها 2  كجم لكل متر مربع، مع قدرة إنتاجية تتراوح بين 100  و120 واط لكل متر مربع. وتسعى شركة PXP إلى تطوير نسخ أكثر كفاءة تصل إلى 160-180 واط/م²، مع طموح لدمج تقنيات بيروفسكايت-كالكوبيريت في خلايا ترادفية، تصل قدرتها إلى 260-280 واط/م².

 تقنية تثبيت مبتكرة تُبسّط عمليات التركيب

جانب آخر مثير للاهتمام في هذا المشروع هو نظام التثبيت الجديد الذي طورته JGC، والذي يستغني عن الطرق التقليدية المُخترقة لسطح المبنى. يستخدم هذا النظام صفيحة بوليمرية عازلة للحرارة تُركّب عليها الألواح المرنة، وتُثبّت بمكوّن معدني مزود بقاطع تثبيت ذكي.

وفقًا للبيانات الأولية، فإن هذا النظام يُتيح للعامل الواحد تركيب ما يصل إلى 100  متر مربع يوميًا، أي ما يعادل ضعف أو ثلاثة أضعاف المعدلات التقليدية. كما أن تفكيك النظام أسهل بكثير من مثيلاته غير النافذة للأسطح، ما يجعله مثاليًا للتركيبات المؤقتة أو القابلة لإعادة الاستخدام.

 من المختبر إلى السوق: خطوة نحو التصنيع التجاري

لم يكن هذا المشروع ليُنفّذ دون دعم مالي قوي. فقد حصلت شركة PXP مؤخرًا على 1.5  مليار ين ياباني (نحو 10 ملايين دولار أمريكي) في جولة استثمارية بقيادة شركة سوفت بنك اليابانية. ويُعد هذا التمويل حجر الأساس لخطة الشركة ببناء مصنع لإنتاج ألواح الكالكوبيريت بقدرة 25  ميجاواط سنويًا، ما يشير إلى دخول وشيك لهذه التكنولوجيا في السوق التجارية.

 لماذا الكالكوبيريت؟ وماذا يعني ذلك لقطاع الطاقة؟

يُعد الكالكوبيريت (CuInSe₂)  من أشباه الموصلات الواعدة، بفضل فجوة الطاقة المنخفضة نسبيًا (1.0 إلكترون فولت)، ما يجعله فعالًا في امتصاص طيف واسع من الضوء الشمسي. إضافة إلى ذلك، فإن إمكانيات دمجه مع تقنيات البيروفسكايت في خلايا ترادفية قد تفتح آفاقًا جديدة للوصول إلى كفاءات تتجاوز 30%، وهو ما كان يُعد في السابق طموحًا أكاديميًا بعيد المنال.

كما أن خفة وزن الألواح وسهولة تثبيتها يجعلها مناسبة للأسطح التي لا تتحمّل الأوزان الثقيلة، مثل الأسطح المعدنية للمصانع، أو حتى الهياكل المؤقتة والمركبات. وهذا يفتح الباب أمام استخدامات جديدة للطاقة الشمسية تتجاوز نطاق الأسطح السكنية التقليدية.

 نظرة مستقبلية: هل نشهد ثورة في الألواح الشمسية الصناعية؟

إن ما تفعله اليابان اليوم قد يرسم ملامح الغد في عالم الطاقة الشمسية. فاختبار تقنيات جديدة على نطاق صغير، في بيئات واقعية، بدعم من شركات استثمارية كبرى، يمثّل نموذجًا يُحتذى به في تطوير الطاقة النظيفة. كما أن التركيز على التخفيف من الوزن، وتسريع عمليات التركيب، وتطوير كفاءة الخلايا، كلها عوامل تعزز قدرة هذه التكنولوجيا على المنافسة، بل والتفوق، في سوق الألواح الشمسية الصناعية.

وفي ظل التحديات المناخية، وحاجة الدول لتحديث بنيتها التحتية بطريقة ذكية ومستدامة، قد يكون مشروع الكالكوبيريت الياباني بداية لمرحلة جديدة من الابتكار في استخدامات الطاقة الشمسية، خاصة في الدول التي تعتمد على المنشآت الصناعية الكبيرة وتبحث عن حلول متجددة واقتصادية في آنٍ معًا.

🔍  المصدر:

pv magazine، “Japanese companies testing chalcopyrite solar panels”، مايو 2025

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري