هل يمكن للهيدروجين أن يثبت تقلبات أسواق الطاقة؟

تشهد أسواق الطاقة حول العالم تحولًا جذريًا، مدفوعًا بتسارع جهود الانتقال إلى الحياد الكربوني، وتوسع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع الطلب على الكهرباء. هذا الواقع الجديد يفرض تقلبات غير مسبوقة في العرض والطلب، مما يعزز الحاجة إلى حلول مرنة ومستدامة لضمان استقرار منظومات الطاقة.
في هذا السياق، يبرز الهيدروجين كناقل طاقة متعدد الاستخدامات، قادر على توفير تخزين طويل الأمد، والمساهمة في موازنة الشبكات الكهربائية، وربط القطاعات المختلفة (Sector Coupling) ، فهل يمكن للهيدروجين أن يلعب دورًا محوريًا في تثبيت أسواق الطاقة المتقلبة؟ هذا ما نستعرضه في هذا المقال التحليلي.
لماذا أصبحت أسواق الطاقة أكثر تقلبًا؟
- تحديات إدماج الطاقة المتجددة في الشبكات:
الطاقة الشمسية والرياح تتميز بعدم الانتظام، ما يجعل من الصعب التنبؤ بإنتاج الكهرباء منها. غياب آليات تخزين مرنة أو استجابة فورية للطلب يؤدي إلى اختلال في توازن الشبكة ويزيد من تقلبات السوق.
- صدمات إمدادات الوقود الأحفوري والمخاطر الجيوسياسية:
الأزمة الأوكرانية، على سبيل المثال، سلطت الضوء على هشاشة الاعتماد على الوقود الأحفوري. انقطاعات الغاز وارتفاع الأسعار دفع بالعديد من الدول إلى البحث عن بدائل محلية وآمنة، مثل الهيدروجين الأخضر.
- ارتفاع الطلب على الكهرباء وتحديات المواكبة:
مع كهربة قطاعات النقل والتدفئة والصناعة، يتزايد الضغط على البنية التحتية الكهربائية. وهذا يتطلب حلول تخزين موثوقة لتجاوز فترات انخفاض الإنتاج المتجدد.
ما الذي يجعل الهيدروجين ناقل طاقة فريدًا؟
- إنتاج مرن: يمكن إنتاج الهيدروجين عبر التحليل الكهربائي باستخدام الكهرباء المتجددة، ما يجعله أداة لتحويل الفائض الكهربائي إلى طاقة قابلة للتخزين.
- تخزين طويل الأمد: على عكس البطاريات التي تناسب التخزين قصير الأجل، يمكن تخزين الهيدروجين لأيام أو حتى أشهر، ما يجعله مثاليًا للتعامل مع التفاوت الموسمي في الإنتاج.
- نقل متعدد الوسائط: يمكن نقله عبر أنابيب، أو شحنه كسائل، أو تحويله إلى ناقلات كيميائية مثل الأمونيا.
- ربط بين القطاعات: يُستخدم الهيدروجين في توليد الكهرباء، والصناعة، والنقل، والتدفئة، مما يجعله محورًا لتكامل مختلف قطاعات الطاقة.
الهيدروجين كأداة لتحقيق توازن العرض والطلب
في أوقات فائض الكهرباء من مصادر متجددة، يمكن استخدام المحللات الكهربائية لتحويل هذا الفائض إلى هيدروجين (Power-to-Gas)، مما يمنع إهدار الطاقة ويقلل من حالات فصل الإنتاج (curtailment)
وفي فترات انخفاض الإنتاج، يُعاد تحويل الهيدروجين المخزن إلى كهرباء باستخدام خلايا الوقود أو التوربينات، لتلبية الطلب وتعزيز موثوقية الشبكة. ورغم انخفاض الكفاءة في هذه الدورة مقارنة بالبطاريات، فإن القدرة على التخزين طويل الأمد تمنح الهيدروجين ميزة استراتيجية في موازنة الأنظمة.
الهيدروجين في تكامل القطاعات (Sector Coupling)
يساعد الهيدروجين في ربط شبكات الكهرباء مع عمليات التسخين الصناعية، وتطبيقات النقل، وأنظمة التدفئة الحضرية. هذا الربط يعزز كفاءة النظام ككل ويزيد من مرونته.
مثال على ذلك: يمكن استغلال فائض الطاقة الشمسية في الصيف لإنتاج الهيدروجين وتخزينه لاستخدامه في التدفئة خلال الشتاء، ما يعالج التفاوت الموسمي في الطلب والعرض.

نماذج تطبيقية:
- استراتيجية الهيدروجين الوطنية في ألمانيا: تطوير مراكز هيدروجين إقليمية تعتمد على طاقة الرياح للإنتاج والتخزين والتوزيع الصناعي.
- استراتيجية الاتحاد الأوروبي لربط القطاعات: يعتبر الهيدروجين محورًا لتكامل الأنظمة الطاقوية عبر الدول.
التحديات الاقتصادية والبنية التحتية
- تكلفة الإنتاج: الهيدروجين الأخضر لا يزال مرتفع التكلفة مقارنة بالهيدروجين الرمادي. ويتطلب خفض تكلفته من خلال تقليل أسعار الكهرباء المتجددة وتكلفة المحللات الكهربائية.
- فجوات البنية التحتية: من الضروري استثمار مليارات الدولارات في منشآت التخزين، وخطوط الأنابيب، ومحطات التزود بالوقود لتفعيل دور الهيدروجين.
- الحاجة لإطار تنظيمي واستثماري قوي: تسريع نشر الهيدروجين يتطلب دعمًا سياسيًا وتمويليًا واضحًا، يتضمن حوافز مالية، ومشاريع تجريبية، وشراكات بين القطاعين العام والخاص.
دروس من التجارب الدولية
- البلدان الإسكندنافية: تعتمد على الهيدروجين لدعم الصناعات والنقل البحري، مستفيدة من وفرة الطاقة الكهرومائية.
- اليابان وكوريا الجنوبية: أنشأتا استراتيجيات وطنية للهيدروجين، تستهدف تقليل الاعتماد على الواردات، وتعزيز أمن الطاقة.
- الاتحاد الأوروبي: أطلق مشروعات “وادي الهيدروجين” لخلق بيئات متكاملة تشمل الإنتاج، والتخزين، والتوزيع.
هل يمكن للهيدروجين أن يحقق استقرارًا طويل الأمد؟
مع انخفاض تكاليف الإنتاج، ونضج سلاسل الإمداد، وزيادة الطلب من القطاعات الصناعية والنقل الثقيل، يُتوقع أن يصبح الهيدروجين الأخضر تنافسيًا بحلول ثلاثينيات هذا القرن.
دوره في تقليل تقلبات أسعار الكهرباء يتمثل في:
- تخزين فائض الكهرباء بدلاً من هدره.
- توفير طاقة احتياطية عند الحاجة.
- تمكين الموازنة الموسمية.
- دعم أنظمة الطاقة الليبرالية المعتمدة على الأسواق.
لكن رغم هذه المزايا، لا يُعد الهيدروجين حلاً سحريًا منفردًا، بل جزءًا من مزيج متكامل يشمل البطاريات، والطاقة المائية المخزنة، وآليات الاستجابة للطلب. ما يميزه هو قدرته الفريدة على الربط بين القطاعات، وتوفير التخزين طويل الأمد.
خاتمة: الهيدروجين كمثبت لأسواق الطاقة المتجددة
في ظل الاضطرابات المتزايدة في أسواق الطاقة الناتجة عن تقلبات الإنتاج المتجدد، والضغوط الجيوسياسية، وارتفاع الطلب، يقدم الهيدروجين حلاً استراتيجيًا لتعزيز مرونة واستقرار الأنظمة الطاقوية.
وإذا ما توفرت الاستثمارات اللازمة والسياسات الداعمة، يمكن للهيدروجين أن يتحول من مجرد خيار تقني واعد إلى ركيزة أساسية في أنظمة الطاقة المستقبلية، يسهم في تسريع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، ويمنح الأسواق مرونة ومناعة ضد التقلبات المستقبلية.
📚 المصدر:
- مقال تحليلي من Montel Energy بعنوان:
How does hydrogen stabilise energy market fluctuations? - الورقة البيضاء بعنوان:
GoHydrogen: A Hydrogen Energy World to Achieve European Climate Neutrality
✍️ أُعدّت من قبل Energy Brainpool، والتي انضمت إلى Montel في يناير 2024.