إدارة الكربون في الشركات: عبء إضافي أم استثمار استراتيجي؟

في ظل تسارع التغيرات المناخية وتزايد التوجهات التنظيمية نحو تقليل الانبعاثات، باتت أنظمة إدارة الكربون (Carbon Management Systems – CMS) أحد الركائز الأساسية في استراتيجيات الشركات المعاصرة. ولكن، هل تستحق هذه الأنظمة الاستثمار المبدئي الكبير؟ وهل تعود بالفعل بفوائد ملموسة على المدى الطويل؟
الكربون: عبء بيئي واعتبار اقتصادي
رغم أن الكربون يُعد المحرك الأكبر لظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أنه أصبح أيضًا عنصرًا حاسمًا في التخطيط الاستراتيجي للشركات، خاصة في ظل تصاعد آليات التسعير الحكومية للانبعاثات مثل ضرائب الكربون أو أنظمة تداول الانبعاثات. وقد أثبتت هذه الأدوات فعاليتها في تقليل الانبعاثات من خلال تحفيز الشركات على دمج الاعتبارات البيئية ضمن خططها التشغيلية، أو مواجهة تكاليف متزايدة وعقوبات مالية.
بلغت الانبعاثات العالمية في عام 2024 حوالي 37 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وهو رقم ينذر بتداعيات بيئية خطيرة يصعب حصرها. ومع تسارع التغيرات المناخية، باتت الاستدامة مسألة استراتيجية وليست مجرد اختيار أخلاقي.
لماذا تحتاج الشركات إلى استراتيجية لإدارة الكربون؟
1. أهمية متزايدة للاستدامة
في قطاعات كثيفة الانبعاثات كصناعة الفولاذ أو السيراميك، تشكل تكلفة شهادات الكربون نسبة متزايدة من التكاليف التشغيلية. وفي المقابل، تمثل تقنيات تقليل الانبعاثات تكلفة أولية مرتفعة، ولكنها تتيح توفيرًا ملموسًا على المدى البعيد، خصوصًا مع الاتجاه العالمي لرفع أسعار الكربون تدريجيًا.
2. ميزة تنافسية والتزام تشريعي
بالرغم من أن السعر ما يزال العامل الأهم لدى المستهلكين، إلا أن الوعي البيئي أصبح جزءًا مؤثرًا في قرارات الشراء. تشير دراسة لشركة PwC إلى أن المستهلكين على استعداد لدفع ما يصل إلى %9.7 إضافية لمنتجات مستدامة، ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة مستقبلاً، لا سيما بين الأجيال الشابة.

ومن ناحية التوفير، فإن إعادة هيكلة سلاسل الإمداد أو استخدام تكنولوجيا أكثر كفاءة يمكن أن يؤدي إلى وفورات ملحوظة:
خطوات بناء استراتيجية فعالة لإدارة الكربون
الخطوة 1: تقييم البصمة الكربونية
الخطوة الأولى هي قياس الانبعاثات الحالية للشركة، والتي قد تتطلب الاستعانة بخبراء أو شركات تدقيق بيئي، خاصة عندما لا تتوفر البيانات الكافية داخليًا.
الخطوة 2: تحديد أهداف خفض الكربون
يفضل استخدام نموذج SMART لتحديد الأهداف (محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، ذات صلة، ومحددة زمنياً).
مثال: سلسلة مطاعم “GreenMeals” تهدف لتقليل الانبعاثات بنسبة 20% بحلول عام 2030، من خلال:
- قياس دقيق: تتبع مسارات التوريد، استخدام النقل الكهربائي، وإدارة النفايات.
- تنفيذ عملي: تبني كهرباء خضراء، تحسين كفاءة التبريد، ودعم المنتجات المحلية.
الخطوة 3: تحديد فرص خفض الكربون
تختلف الحلول تبعًا للقطاع. على سبيل المثال، تختلف الإجراءات في مصنع صناعي عن شركة خدمات. يجب أن تتم دراسة هذه الفروقات بشكل علمي وقياسي لتحديد أفضل الفرص ذات الأثر الأكبر.
مجالات تطبيق مبادرات خفض الانبعاثات
1. كفاءة الطاقة
التحول إلى أنظمة تعتمد على الكهرباء عالية الكفاءة، في الإضاءة أو التسخين أو العمليات الصناعية، أصبح خيارًا اقتصاديًا على المدى المتوسط والطويل.
2. التحول إلى الطاقة المتجددة
الاقتران بين الكهربة (Electrification) والاعتماد على الطاقة المتجددة يعد خطوة منطقية. ومع انخفاض تكاليف تخزين الطاقة، أصبح من الممكن إنتاج الكهرباء واستهلاكها في الموقع، مما يحد من الانبعاثات ويوفر التكاليف.
3. إدارة سلسلة الإمداد المستدامة
من الضروري احتساب الانبعاثات في كامل دورة حياة المنتج، وليس فقط داخل حدود المنشأة. تجاهل الانبعاثات “غير المباشرة” قد يؤدي إلى فقدان ثقة العملاء أو مخالفة القوانين في حال اكتشافها.
التتبع والشفافية: من المراقبة إلى المصداقية
- رصد الأداء الكربوني: لا يمكن تحسين ما لا يُقاس. لذا، يجب دمج آليات التتبع في كل مرحلة من مراحل تنفيذ الاستراتيجية.
- الإبلاغ الشفاف: توثيق النتائج ومشاركتها بشكل شفاف عبر منصات مثل مبادرة الإفصاح عن الكربون CDP أو مبادرة التقارير العالمية GRI، يعزز ثقة المستثمرين والعملاء.
الخلاصة: استثمار في المستقبل وليس تكلفة إضافية
أنظمة إدارة الكربون لم تعد رفاهية أو خيارًا مؤجلاً، بل هي أداة استراتيجية للتقليل من التكاليف المستقبلية المرتبطة بالانبعاثات، ولبناء علامة تجارية قوية قائمة على الاستدامة.
وفي ظل ارتفاع أسعار الكربون عالميًا وتزايد الوعي البيئي لدى المستهلكين، فإن تأجيل تطبيق أنظمة إدارة الكربون قد يؤدي إلى خسارة مزدوجة: زيادة في التكاليف وتناقص في الثقة السوقية.
📚 المصدر:
Montel Group. (2024). Are carbon management systems worth the cost?