الإستدامةالطاقة الشمسيةركن المبتكرين و قادة طاقة المستقبل

نوافذ تُنتج الكهرباء دون أن تحجب الضوء: كيف تعيد التقنية الأوروبية تعريف الطاقة الشمسية في الأبنية الذكية؟

مقدمة: الطاقة المتجددة تدخل من النوافذ

في عصر التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، لم تعد حلول الطاقة الشمسية تقتصر على الألواح فوق الأسطح أو المزارع الشمسية الممتدة، بل بدأت تدخل بجرأة إلى تفاصيل التصميم المعماري، من خلال ما يُعرف بـ النوافذ الشمسية الشفافة  (STPV) ، هذه التقنية، التي تمثل اندماجًا ذكيًا بين الوظيفة البنائية والتوليد الكهربائي والتحكم الحراري، ظلت تعاني من عقبتين رئيسيتين: ضعف الأداء الكهربي وتشويه الرؤية أو إضفاء لون غير مرغوب فيه على الزجاج. واليوم، يسعى باحثون أوروبيون لإحداث طفرة في هذا المجال عبر مشروع بحثي طموح يوظف تقنيات التصنيع الميكروي (microfabrication) لتحسين شكل وأداء هذه النوافذ، دون التنازل عن الشفافية أو الجمالية.

مشروع Transmit : حل علمي بعين معمارية

يقود مختبر INL  الدولي للأبحاث النانوية في البرتغال مشروعًا بحثيًا أوروبيًا بعنوان Transmit، يمتد لثلاث سنوات (2023–2026)، بتمويل يبلغ 1.08  مليون يورو ضمن برنامج CETP  الأوروبي لتحول الطاقة النظيفة. يركز المشروع على تطوير وحدات شمسية نصف شفافة تعتمد على مواد CIGS والبيروفسكايت، من خلال تصميم شرائط دقيقة من الخلايا الشمسية تُوضع على الزجاج، تفصلها فجوات شفافة. هذا النمط الميكروي يحقق توازنًا غير مسبوق بين:

  • نقل الضوء الطبيعي إلى داخل المبنى
  • توليد الكهرباء بكفاءة مقبولة
  • عدم الإضرار بالرؤية أو التناسق اللوني

كيف تعمل هذه التقنية فعليًا؟

يتم تصميم هذه النوافذ على شكل خطوط ضيقة جدًا من المادة الشمسية تمتد على سطح الزجاج، مع ترك مساحات فاصلة شفافة. بهذه الطريقة، ومن مسافة قصيرة، تظهر النافذة وكأنها زجاج عادي، في حين أنها تُنتج الكهرباء بفعالية.

الهدف هو تحقيق كفاءة تحويل كهربي تصل إلى 8%  عند شفافية 50%، مقارنةً بكفاءة تتجاوز 20% في الخلايا غير الشفافة. تُستخدم تقنيات دقيقة مثل:

  • الفوتوليثوغرافيا لصياغة نمط الشرائط
  • الرش والترسيب (sputtering) والاستئصال (lift-off) لـ CIGS
  • الطباعة بالاستئصال (ablation) في حالة البيروفسكايت

كل هذه العمليات مألوفة في صناعة الشرائح الإلكترونية، ما يجعل الإنتاج الصناعي على نطاق واسع ممكنًا عند نجاح التجارب.

تطبيقات معمارية واسعة

النوافذ الشمسية الجديدة تتجاوز وظيفة التوليد لتصبح عنصرًا ذكيًا في تصميم المباني الحديثة. فهي تعمل على:

  • تمرير الضوء الطبيعي وتقليل الحاجة للإضاءة الاصطناعية
  • توليد الكهرباء من الشمس وتغذية النظام الكهربائي الداخلي
  • حجب جزء من الأشعة تحت الحمراء لتقليل التسخين الداخلي للمبنى

هذا يجعلها مثالية لتطبيقات الواجهات الزجاجية الكهروضوئية المتكاملة  (BIPV)، خاصة في الأبنية التجارية والمباني الخضراء التي تسعى لخفض البصمة الكربونية دون التأثير على التصميم الجمالي.

 التحديات التقنية والإبداع في الحل

رغم وضوح الرؤية الهندسية، يواجه المشروع تحديات مهمة، أبرزها:

  • الحفاظ على شفافية محايدة لونيًا
  • ضمان كفاءة مناسبة رغم الشفافية
  • تحقيق سماكة كاملة لطبقة الخلية لتحقيق أقصى إنتاج ممكن

كما أن التوفيق بين الأداء والشفافية يتطلب نماذج دقيقة تتيح التحكم في نسبة نفاذ الضوء دون التأثير على كفاءة التوليد أو إدراك العين البشرية.

 شراكة أوروبية واسعة النطاق

يُشارك في المشروع مؤسسات بحثية مرموقة، مثل:

  • جامعة روما تور فيرغاتا
  • جامعة جنوة
  • جامعة قبرص
  • مركز أبحاث الطاقة الشمسية في تركيا ODTÜ-GÜNAM
  • مؤسسة Bay Zoltán في المجر

ويسعى الفريق إلى استكمال المشروع بـ تحليل دورة حياة (LCA) لضمان توافقه بيئيًا من التصنيع حتى التركيب والتشغيل.

خاتمة: نافذة على مستقبل مستدام

بين الطموح الهندسي والتطبيقات المعمارية، يمثل مشروع Transmit  خطوة حقيقية نحو تكامل الطاقة النظيفة في التصميم الحضري. فإذا نجح الفريق في تحقيق أهدافه، فإننا سنشهد قريبًا انتشار نوافذ شفافة تولد الطاقة دون أن تُشوه الرؤية أو تشوّه واجهات المباني. هذا النوع من الابتكار يعيد تعريف العلاقة بين الجمال، والاستدامة، والتكنولوجيا في عالم الطاقة المتجددة.

📚  المصدر:
pv magazine. Improving solar windows via microfabrication techniques, July 7, 2025

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري