الزراعة الشمسية بين الإنتاج الغذائي والطاقة المتجددة: دروس مستفادة من التجارب والسياسات الدولية

مقدمة
تُعد الزراعة الشمسية (Agrivoltaics) من أبرز التقنيات الحديثة التي تُمكّن من الاستخدام المزدوج للأرض عبر الجمع بين إنتاج الغذاء وتوليد الطاقة المتجددة. فهي تتيح تركيب الألواح الكهروضوئية فوق الأراضي الزراعية بما يعزز من كفاءة الموارد الطبيعية، ويقدم حلاً مبتكرًا للتحديات المزدوجة: الأمن الغذائي وتسريع الانتقال الطاقي.
وبينما تزداد الحاجة عالميًا لمصادر الطاقة النظيفة، يبرز السؤال: كيف يمكن ضمان استمرار إنتاج الغذاء دون التضحية بكفاءة الطاقة؟
تأثير الزراعة الشمسية على المحاصيل
تُظهر الدراسات أن تأثير الزراعة الشمسية على المحاصيل متغير ومعقد، يعتمد على نوع النبات، مستوى شفافية الألواح، وظروف الزراعة:
- تجارب زراعة الخس أظهرت نتائج متباينة؛ ففي بعض الحالات انخفض المحصول بنسبة تصل إلى 72%، بينما بينت دراسات أخرى زيادات كبيرة وصلت إلى 87.6%
- في تجارب تراوحت شفافية الألواح فيها بين 10% و80%، أظهرت النتائج تباينًا واسعًا في الإنتاجية (من 1% إلى 102% مقارنة بالزراعة التقليدية.
- أثبتت التجربة أن الألواح نصف الشفافة ذات شفافية 70–80% قدّمت نتائج مماثلة أو أفضل من الزراعة التقليدية، بينما أدى انخفاض الشفافية إلى أقل من 60% إلى تراجع كبير في الغلة الزراعية تجاوز 30%.
هذا التباين يعكس الطبيعة الديناميكية للزراعة الشمسية، حيث تلعب العوامل الموسمية، التربة، وظروف المناخ دورًا رئيسيًا في تحديد الإنتاج النهائي.
يوضح الشكل التالي النتائج حيث بدت أن أعلى إنتاجية للخس تحققت تحت ألواح شمسية شبه شفافة بنسبة 80%، متجاوزة حتى ظروف التحكم ذات الشفافية الكاملة. بينما أدى التظليل الزائد عند شفافية 60% إلى انخفاض واضح في المحصول.

البعد السياسي والتنظيمي
تختلف السياسات الدولية في تنظيم الزراعة الشمسية، وهو ما يؤثر مباشرة على جدوى دمجها:
- ألمانيا: تتبنى سياسات أكثر انسجامًا مع البيانات البحثية، وتحدد حدًا أدنى للإنتاج الزراعي عند 66–70%، وهو معيار أثبتت الدراسة واقعيته.
- فرنسا: تشترط الحفاظ على 90% من الإنتاج، وهو حد صارم وغير عملي بالنظر إلى التقلبات الطبيعية (الخس قد يتقلب حتى 25%، الذرة 29%، بينما تتراوح تقلبات المحاصيل العالمية الأساسية بين 13–22%).
- إيطاليا والتشيك: تضع قيودًا على نسب تغطية الأرض بالألواح (40% و10% على التوالي)، وهو ما يحدّ من الابتكار في التصاميم.
توصي الدراسة بعتبة دنيا للإنتاج عند 70%، باعتبارها أكثر توازنًا بين الأمن الغذائي وكفاءة استخدام الأرض، فضلًا عن مرونتها للتكيف مع تغيرات المناخ.
الاقتصاد وإمكانات العوائد المزدوجة
لا تقتصر أهمية الزراعة الشمسية على حفظ التوازن بين الغذاء والطاقة، بل تمتد إلى تحقيق مكاسب اقتصادية مضاعفة. في دراسة ميدانية تحت ظروف أونتاريو – كندا (لكل فدان):
- الزراعة التقليدية (خس فقط) 14,256 – 55,728 دولار كندي.
- ألواح معتمة (40% تغطية) 20,659 – 48,111 دولار كندي.
- ألواح نصف شفافة (70–80% + نسبة بسيطة من الألواح المعتمة) حتى 96,000+ دولار كندي، من عوائد المحاصيل والكهرباء معًا.
إضافة إلى ذلك، توفر هذه الأنظمة نحو 117,596 كيلوواط ساعة/فدان سنويًا من الكهرباء، بقيمة تصل إلى 12,000 – 15,000 دولار كندي.
هذا النموذج يوضح أن الزراعة الشمسية ليست فقط وسيلة لتعظيم إنتاج الأرض، بل منصة لتحقيق عوائد مزدوجة تعزز الاستدامة الاقتصادية للمزارعين.
القيود وأوجه عدم اليقين
رغم النتائج المشجعة، فإن الدراسة نُفذت في بيئة داخلية مضبوطة بإضاءة صناعية منخفضة (كندا، فبراير – أبريل). ما يجعل النتائج أقرب لسيناريو “الحد الأدنى” مقارنة بالزراعة في الهواء الطلق. من أبرز القيود:
- الظروف البيئية لم تُحاكَ تمامًا تأثيرات الطقس والتقلبات المناخية الخارجية.
- جهاز PAR المستخدم لقياس الإشعاع الفعّال للتمثيل الضوئي قد يعطي نتائج غير دقيقة بنسبة تصل إلى ±5%
- الميزان الرقمي المستخدم لقياس الوزن الحيوي للنباتات قد يُظهر انحرافًا بسيطًا يصل إلى ±0.5 غرام.
- خصوصية المحاصيل حيث أن النتائج تخص نوع خس واحد ولا يمكن تعميمها على جميع الأصناف.
لذلك، تؤكد الدراسة الحاجة إلى تجارب ميدانية طويلة الأجل، تشمل أصنافًا زراعية متعددة، وأنماطًا مناخية متنوعة، لتوسيع قاعدة ا لمعرفة ودعم السياسات المستقبلية.
التوصيات المستقبلية
- اعتماد حد أدنى 70% للإنتاج الزراعي كمعيار مرن ومتوازن.
- مراجعة السياسات دوريًا كل 5 سنوات لمواكبة التطورات التقنية والزراعية.
- تنويع التجارب الميدانية لتشمل محاصيل مختلفة وبيئات متنوعة.
- إدماج مؤشرات مثل نسبة التكافؤ الأرضي (LER) التي تجمع بين إنتاج الغذاء والكهرباء.
* مؤشر نسبة التكافؤ الأرضي (Land Equivalent Ratio – LER) يستخدم لقياس كفاءة الزراعة الشمسية، بحيث لا يُحسب فقط إنتاج الغذاء من الأرض، بل أيضًا إنتاج الكهرباء من الألواح الشمسية باعتباره “محصولًا ثانويًا”. وبهذا يوفر المؤشر رؤية أشمل حول القيمة المضافة لاستخدام الأرض بشكل مزدوج، مقارنة بالزراعة التقليدية أو محطات الطاقة الشمسية المنفصلة.
- دراسة الأثر الغذائي للزراعة الشمسية، بما في ذلك القيمة التغذوية للمحاصيل وليس الكمية فقط.
- تطوير نماذج تنبؤية تدمج المتغيرات المناخية والتقنية لتنظيم أفضل للسياسات.
أهمية النتائج للمستقبل
- المزارعون: يكتسبون وسيلة لتعزيز إنتاجية المحاصيل مع تنويع مصادر الدخل.
- قطاع الطاقة الشمسية: يستفيد من فرص أعمال جديدة تدمج البنية التحتية الكهروضوئية مع الزراعة.
- صناع السياسات: يمكنهم صياغة أطر أكثر ذكاءً لتحقيق التوازن بين الأمن الغذائي والانتقال الطاقي.
خاتمة
أثبت الزراعة الشمسية أنها ليست مجرد تقنية ناشئة، بل استراتيجية مستقبلية تعظم القيمة من الأرض، وتجمع بين الغذاء والطاقة في معادلة واحدة. ومع التطور المستمر في الألواح نصف الشفافة، وتزايد الأبحاث التطبيقية، تبدو هذه التقنية قادرة على لعب دور محوري في مستقبل الأمن الغذائي والطاقي، خاصة في الدول ذات الموارد المحدودة أو الأراضي الزراعية الضاغطة.
إن الجيل القادم من المشاريع الزراعية والطاقية لن يُبنى بالاعتماد على الزراعة أو الطاقة وحدها، بل من خلال تكامل الأتمتة، الطاقة الشمسية، والسياسات الذكية التي تجعل من الأرض مصدرًا مضاعف القيمة.
📚 المصدر:
Uzair Jamil, Md Motakabbir Rahman, Joshua M. Pearce, Photosynthetically active radiation complexities in agrivoltaic policy mandates: Insights from controlled environment yields under semitransparent photovoltaics, Journal of Cleaner Production, Volume 523, 2025, 146392, ISSN 0959-6526.
👉 https://doi.org/10.1016/j.jclepro.2025.146392