الإستدامةالطاقة الشمسيةركن المبتكرين و قادة طاقة المستقبل

هل يمكن لرقعة التبريد الفائقة أن تخفض حرارة الألواح الكهروضوئية وتولّد المياه في آن واحد؟

مقدمة

تمثل الألواح الكهروضوئية  حجر الزاوية في مسار التحول الطاقي العالمي، غير أن ارتفاع درجة حرارتها التشغيلية يظل أحد أبرز التحديات التي تحد من كفاءتها وتزيد من تدهورها مع مرور الوقت. هذا التحدي دفع الباحثين إلى تطوير حلول مبتكرة تسعى لخفض حرارة الألواح وتحسين أدائها. في هذا السياق، توصل فريق بحثي من جامعة مدينة هونغ كونغ بالتعاون مع جامعة هونغ كونغ البوليتكنيك، وجامعة أديلايد الأسترالية، وجامعة نوتنغهام البريطانية، إلى تطوير رقعة تبريد فائقة (Ultra-Cooling Patch – UCP) تمثل نقلة نوعية في مجال إدارة الحرارة، حيث لا تقتصر على تعزيز كفاءة الألواح فحسب، بل تتيح في الوقت ذاته إنتاج مياه عذبة من خلال استغلال الحرارة المهدورة.

Illustration of the UCP Image: City University of Hong Kong, Advanced Materials, CC BY 4.0

تصميم مبتكر وآلية عمل ذكية

تتألف الرقعة من ثلاث طبقات رئيسية:

  1. طبقة حصاد المياه الجوية (AWH) مبنية على هيكل هيدروجيل محمل بكلوريد الكالسيوم (CaCl₂)، وهو ملح عالي القدرة على امتصاص الرطوبة من الهواء أثناء الليل.
  2. طبقة التنظيم الحراري: تضم صفيحة نحاسية رقيقة تسهل نقل الحرارة من اللوح إلى الرقعة، مما يعزز من فعالية التبريد.
  3. طبقة لاصقة مرنة تعتمد على هلام السيليكون متعدد اللزوجة، ما يسمح بتركيبها بسهولة على أسطح متنوعة مثل الزجاج والمعادن والبوليمرات.

وتعمل الرقعة وفق آلية متكاملة: ففي الليل تلتقط الرطوبة الجوية بفضل التأثير التبريدي الإشعاعي للألواح، بينما في النهار يُستغل فائض الحرارة الناتج عن الإشعاع الشمسي لتبخير المياه داخل الرقعة. يؤدي تبخر المياه إلى خفض حرارة اللوح بفعالية، فيما يتم جمع البخار المكثف لإنتاج مياه عذبة صالحة للاستخدام.

نتائج مخبرية دقيقة

أظهرت التجارب الأولية أن الألواح التقليدية قد تصل حرارتها التشغيلية إلى 60.6  درجة مئوية، بينما انخفضت هذه القيمة إلى 38.9  درجة مئوية بعد إضافة الرقعة، أي بفارق 21.7  درجة مئوية. ونتيجة لهذا الانخفاض الملحوظ، ارتفعت القدرة القصوى من 0.77  واط/سم² إلى 0.92  واط/سم². وفي نسخة مطوّية من الرقعة (Folded UCP – FUCP)، أتاح التصميم الجديد زيادة مساحة التبادل الحراري، مما أدى إلى خفض درجة الحرارة بمقدار 29.5  درجة مئوية، مع زيادة في الكثافة الطاقية بلغت 28.69%  مقارنة بالألواح العادية.

Outdoor deployment Image: City University of Hong Kong, Advanced Materials, CC BY 4.0

اختبار ميداني واسع النطاق

وللتحقق من جدوى التقنية في بيئات واقعية، قام الباحثون بتركيب رقعة مطوّية كبيرة الحجم (2,000 × 1,000 مم) على ظهر لوح شمسي تجاري بمساحة (1,270 × 760 مم) في جامعة هونغ كونغ البوليتكنيك.

  • أظهرت النتائج انخفاضًا في درجات التشغيل بمقدار 2 – 24.7 درجة مئوية خلال الأيام الأولى.
  • ارتفعت القدرة الإنتاجية من 9 واط إلى 115.1  واط.
  • تم تجميع أكثر من 2 كجم من المياه يوميًا، ما يفتح المجال لاستخدامها في الاستهلاك المنزلي أو تنظيف الألواح ذاتيًا.

قراءة تقنية واستراتيجية

إن نجاح الرقعة في تحقيق التبريد وخفض استهلاك الطاقة الحرارية يبرز قيمة الابتكارات متعددة الوظائف في قطاع الطاقة المتجددة. فهي لا تحسّن فقط من الكفاءة الكهروضوئية، بل تقدم حلًا عمليًا لمشكلة ندرة المياه، خاصة في المناطق الجافة. كما أن استخدام مواد منخفضة التكلفة نسبيًا مثل الإسفنج الميلاميني والأشرطة النحاسية يعزز من قابلية التقنية للتطبيق التجاري. ومع ذلك، تظل هناك تحديات تتعلق بمدى استدامة المواد المستخدمة وإمكانية تصنيعها بكميات ضخمة تناسب مشاريع الطاقة واسعة النطاق.

الأرقام تتحدث

  • 7 درجة مئوية انخفاض في حرارة التشغيل.
  • 69% زيادة في كثافة القدرة الناتجة.
  • 2 كجم من المياه يوميًا من لوح تجاري واحد.
  • 1 واط إنتاج بعد التبريد مقابل 102.9  واط سابقًا.

خاتمة استراتيجية

تؤكد رقعة التبريد الفائقة أن مستقبل الطاقة المتجددة لن يقوم على توليد الكهرباء فحسب، بل على التكامل بين الطاقة والمياه لتحقيق أقصى استفادة من الموارد. ورغم أن التقنية لا تزال في مراحلها البحثية، فإن نتائجها الميدانية تعكس إمكانية تحويلها إلى حل تجاري واقعي، خاصة في الدول التي تواجه مزيجًا من المناخ الحار وشح المياه.  وإذا ما تم دعمها بالاستثمارات والسياسات المناسبة، فإن هذه الرقعة يمكن أن تصبح نموذجًا رائدًا لابتكارات تربط بين كفاءة الطاقة والأمن المائي ضمن منظومة الاستدامة العالمية.

📚  المصدر :

City University of Hong Kong, The Hong Kong Polytechnic University, University of Adelaide, University of Nottingham. (2024). Passively Ultra Cooling Patch Enabling High-Efficiency Power-Water Cogeneration. Advanced Materials

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري