هل يمكن للذكاء الرياضي أن يحل معضلة تنظيف الألواح الشمسية في الإمارات؟

مقدمة
تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة نموًا متسارعًا في قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية، حيث أصبحت الطاقة الشمسية ركيزة أساسية في استراتيجية الدولة لتحقيق مزيج طاقي متوازن ومستدام. فقد وضعت الإمارات أهدافًا طموحة لتوليد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2050، مع استثمارات ضخمة في محطات شمسية واسعة النطاق مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية بدبي ومحطة مدينة مصدر في أبوظبي.
ورغم هذه الطموحات، يظل تراكم الغبار (Soiling) من أبرز التحديات التي تواجه كفاءة محطات الطاقة الشمسية في البيئات الصحراوية. تشير الدراسات إلى أن الاتساخ يمكن أن يخفض إنتاجية الألواح بنسبة تصل إلى 30%، وهو ما قد يترجم إلى خسائر مالية سنوية بمئات الآلاف من الدولارات في المحطات الكبيرة. وعلى سبيل المثال، أظهرت البيانات أن محطة صناعية بقدرة 50 ميجاواط قد تخسر نحو 250,000 دولار سنويًا نتيجة الغبار، بينما يؤدي انخفاض الإنتاج بنسبة 10% فقط إلى خسائر تقدر بـ 22,421 دولارًا سنويًا.
من هنا، تبرز الحاجة إلى نماذج صيانة وتنظيف فعالة توازن بين تكاليف التنظيف والخسائر الناتجة عن الاتساخ. وهذا ما دفع فريقًا بحثيًا بقيادة جامعة الشارقة، بالتعاون مع جامعات من فرنسا وتونس، إلى تطوير نموذج رياضي متقدم باستخدام البرمجة الصحيحة المختلطة (MIP) عبر أداة CPLEX
خلفية الدراسة وأهدافها
انطلقت الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن التنظيف المنتظم، وإن كان مكلفًا، يظل أقل تكلفة على المدى الطويل من الخسائر الناتجة عن انخفاض الكفاءة. وبذلك، فإن إيجاد الجدول الأمثل للتنظيف يمثل أداة استراتيجية لصنّاع القرار ومديري المحطات.
تركز البحث على محطة مدينة مصدر للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 10 ميجاواط، والتي تضم:
- 87,780 لوحًا شمسيًا موزعة على 4,389 صفًا.
- مساحة كلية 210,000 م².
- إنتاج سنوي 17,564 ميجاواط ساعة.
- بيانات مناخية دقيقة: حصل عليها الباحثون من قواعد بيانات NASA وMERRA-2 للفترة 2022، وتشمل الإشعاع، سرعة الرياح، ودرجات الحرارة.
الهدف الرئيس للنموذج هو:
- تقليل تكاليف التنظيف.
- خفض خسائر الطاقة الناتجة عن الاتساخ.
- تحسين الكفاءة الاقتصادية للمحطات.
منهجية النموذج الرياضي
اعتمد الباحثون على البرمجة الصحيحة المختلطة (MIP) باستخدام أداة CPLEX، وهي من أقوى أدوات التحسين الرياضي المستخدمة في الصناعة.
بيانات النموذج
- بيانات بيئية: الإشعاع، الحرارة، معدل الاتساخ (0.02–0.9% يوميًا).
- بيانات تشغيلية: عدد الروبوتات (2 روبوت)، سعة التنظيف اليومية، خصائص الألواح.
- عوامل اقتصادية: تعرفة الكهرباء (0.1 دولار/ك.و.س)، تكلفة التنظيف (0.012–0.05 دولار/م²).
آلية العمل
- يقسم النموذج المحطة إلى وحدات تشغيلية (صفوف × ألواح).
- يحدد عدد الألواح التي يجب تنظيفها في كل دورة.
- يوازن بين تكلفة التنظيف وخسائر الطاقة الناتجة عن الاتساخ.
النتائج التجريبية
تم تطبيق النموذج على 40 صفًا × 100 لوح خلال فترة 90 يومًا، وكانت النتائج كما يلي:
- الاستراتيجية المثلى: تنظيف 3 صفوف يوميًا.
- عدد مرات التنظيف لكل صف 5–9 مرات (غالبًا 6–7 مرات).
- تكاليف التنظيف:
- عند 0.012 دولار/م² → 4,833 دولارًا.
- عند 0.05 دولار/م² → 7,987 دولارًا.
هذه النتائج تعني أن النموذج يتيح تقليل الخسائر الاقتصادية إلى الحد الأدنى، عبر إيجاد نقطة التوازن المثلى بين تكاليف الصيانة وخسائر الاتساخ.
الأبعاد الاستراتيجية والعملية
أظهرت الدراسة أن هذا النموذج يقدم قيمة على ثلاثة مستويات رئيسية:
- المستوى التشريعي (Regulatory)
- دعم السياسات الوطنية للطاقة المتجددة.
- وضع حدود كمية لاتساخ الألواح كمعايير أداء إلزامية.
- المستوى الهندسي (Prescriptive)
- مساعدة المهندسين على تصميم بروتوكولات صيانة دقيقة.
- إعداد اتفاقيات مستوى الخدمة (SLAs) أكثر واقعية.
- المستوى التشغيلي (Operational)
- تمكين مديري المحطات من تعديل جداول التنظيف وفقًا للتغيرات الموسمية.
- الاستفادة من أنظمة استشعار البيانات لتوجيه الروبوتات بشكل ديناميكي.
التوصيات المستقبلية
اقترح الباحثون عدة توجهات مستقبلية لتطوير النموذج:
- استخدام خوارزميات متعددة الأهداف مثل NSGA-II لدمج أهداف الاستدامة البيئية مع الكفاءة الاقتصادية.
- إدماج التعلم الآلي للتنبؤ بمعدلات الاتساخ في الزمن الحقيقي.
- التحقق من النتائج باستخدام أدوات محاكاة صناعية مثل PVsyst وأنظمة SCADA
- تقييم دورة الحياة الكاملة (LCA) لمحطات الطاقة الشمسية لزيادة الشمولية.
- اختبار النموذج في مواقع أخرى مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية لتأكيد قابليته للتعميم.
خاتمة استراتيجية
يمثل هذا النموذج نقلة نوعية في إدارة وصيانة محطات الطاقة الشمسية بالبيئات الصحراوية. فبالجمع بين التحليل الكمي والاعتبارات العملية، يقدم البحث أداة دعم قرار قوية لصنّاع القرار في الإمارات والمنطقة العربية.
وبالنظر إلى التحديات البيئية والاقتصادية، فإن تبني مثل هذه النماذج لا يسهم فقط في خفض التكاليف التشغيلية، بل يعزز أيضًا من أمن الطاقة الوطني ويدعم الأهداف الاستراتيجية للاستدامة. كما يضع الإمارات في موقع ريادي عالميًا، ليس فقط في بناء محطات الطاقة الشمسية، بل أيضًا في تطوير تقنيات متقدمة لإدارتها بكفاءة عالية.
📚 المصدر:
Optimizing the cleaning plan of a solar PV system plant, Sustainable Futures (2025)
تأليف فريق بحثي من: جامعة الشارقة (الإمارات)، جامعة جان مونيه (فرنسا)، جامعة تونس المنار (تونس).