كيف تُسهم الروبوتات في تعزيز قدرة الولايات المتحدة على إعادة تدوير الألواح الشمسية؟

مقدمة
يواجه قطاع الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة تحديًا وشيكًا لا يقل أهمية عن تحديات التوسع والتركيب: موجة ضخمة من الألواح الشمسية الخارجة من الخدمة، فالألواح التي نُصبت خلال طفرة الطاقة الشمسية في أوائل العقد الماضي تقترب من نهاية عمرها التشغيلي، مع توقعات بأن تبلغ ذروة الإحالات إلى التقاعد بين عامي 2027 و2030. وبينما يُنظر إلى إعادة التدوير كحل منطقي، يبقى السؤال الأهم: هل البنية التحتية الأمريكية جاهزة للتعامل مع هذا ”التسونامي“ القادم من نفايات الطاقة الشمسية؟
في هذا السياق، تبرز الروبوتات والأتمتة كأداة حاسمة لإعادة رسم مشهد إعادة تدوير الألواح الشمسية، ليس فقط من حيث القدرة الاستيعابية، بل أيضًا من حيث الكفاءة الاقتصادية وجودة المواد المسترجعة.
موجة نفايات شمسية تلوح في الأفق
تشير تقديرات صادرة عن المختبر الوطني لجبال الروكي – الاسم الجديد للمختبر الوطني للطاقة المتجددة NREL) إلى أنه بحلول نهاية هذا العقد، قد تغطي الألواح الشمسية المفككة مساحة تعادل نحو 3,000 ملعب كرة قدم أمريكية.
وفي بلد يضم حاليًا ما يقرب من 400 مليون لوح شمسي مُركّب—مع توقعات بوصول العدد إلى مليارات الوحدات بحلول منتصف القرن—فإن الضغط على منظومة إدارة نهاية العمر التشغيلي سيصبح مسألة بنيوية، لا هامشية.
الحاجة الملحّة لقدرات إعادة تدوير صناعية
يوضح أندريه بوجاداس، الرئيس التنفيذي لشركة OnePlanet المتخصصة في إعادة تدوير الألواح الشمسية، أن الولايات المتحدة تقف عند نقطة انعطاف حاسمة. فبناء منشآت إعادة تدوير صناعية ليس أمرًا سريعًا؛ إذ تتراوح مدة تطوير المرافق بين 3 إلى 5 سنوات من التخطيط حتى التشغيل، وهي عملية معقدة، كثيفة رأس المال، وتتطلب خبرات نادرة.
لهذا السبب، تسعى OnePlanet إلى تشغيل منشأتها الرئيسية River City في مدينة Green Cove Springs بولاية فلوريدا بحلول بداية عام 2027—بعد نحو عامين فقط من حصول الشركة على ما يقارب 15 مليون دولار عبر ائتمان ضريبي اتحادي .
منشأة River City : من البداية إلى التوسع
عند انطلاقها، ستبلغ القدرة الأولية لمنشأة River City نحو مليوني لوح شمسي سنويًا، مع خطة توسع تدريجية ترفع الطاقة الاستيعابية إلى ستة ملايين لوح سنويًا. لكن تحقيق هذا المستوى من المعالجة لا يمكن أن يعتمد على الأساليب التقليدية، وهنا يأتي الدور المحوري للأتمتة.
لماذا الروبوتات؟
تعتمد معظم عمليات تفكيك الألواح وفرز المواد اليوم على العمل اليدوي، وهي عمليات بطيئة، مرهقة، وتنطوي على مخاطر سلامة غير ضرورية. ومع تكاليف عمالة كاملة تتراوح بين 15 و25 دولارًا في الساعة، يصبح الاعتماد على العنصر البشري غير قابل للاستدامة عند التوسع الصناعي.
الحل الذي تتبناه OnePlanet يتمثل في روبوتات موجهة بالرؤية (Vision-Guided Robotics)، تعتمد على:
- حساسات وكاميرات عالية الدقة
- برمجيات معالجة صور متقدمة
- خوارزميات ذكاء اصطناعي تضبط العمليات لحظيًا وفق خصائص كل لوح
ستتولى هذه الأنظمة مهام نزع الإطارات، النقل، والمعالجة، بينما يتركز دور العمال على تشغيل الأنظمة، الصيانة، وضبط الجودة بدلًا من الفرز اليدوي.
إنتاجية أعلى وتكلفة أقل
وفق بوجاداس، يحقق هذا النموذج فائدتين أساسيتين:
- خفض كبير في تكلفة العمالة لكل لوح مقارنة بالعمليات التقليدية.
- زيادة ملحوظة في معدلات المعالجة (Throughput)، ما يسمح بالتعامل مع أحجام ضخمة دون التضحية بالكفاءة.
ويشبّه بوجاداس هذا التحول بما حدث في صناعة الصلب، حيث أثبتت نماذج الإنتاج القائمة على الخردة قدرتها على منافسة—بل وتجاوز—الإنتاج القائم على المواد البِكر من حيث الجدوى الاقتصادية.
مواد أنقى وقيمة مضافة أعلى
إلى جانب التوسع الكمي، تسهم التقنيات المؤتمتة في تحسين جودة المواد المسترجعة، بما يشمل:
- السيليكون
- النحاس
- الفضة
- الألمنيوم
فكلما زادت نقاوة هذه المواد، ارتفعت قيمتها السوقية، ما يعزز الجدوى الاقتصادية لإعادة التدوير ويجعلها جزءًا فاعلًا من سلسلة الإمداد الصناعية.
منجم محلي بدلًا من اعتماد خارجي
يصف بوجاداس رؤية شركته بأنها تحويل الأصول الشمسية المفككة إلى منجم محلي. فبدل الاعتماد على أسواق دولية متقلبة وسلاسل توريد حساسة سياسيًا، يمكن للولايات المتحدة استعادة مواد استراتيجية من ألواح وصلت بالفعل إلى نهاية عمرها.
وتكتسب هذه الفكرة أهمية خاصة إذا علمنا أن الصين تنتج نحو 80% من البولي سيليكون العالمي، وهو مكوّن أساسي في صناعة الألواح الشمسية. وفي المقابل، تمتلك الولايات المتحدة كميات كبيرة من الألواح المتقادمة الغنية بهذه المادة—ما يجعل إعادة التدوير فرصة استراتيجية وليست مجرد حل بيئي.
إعادة التدوير كركيزة لأمن الطاقة
يرى بوجاداس أن إعادة التدوير لا توفر فقط مواد خام، بل تبني مرونة سلاسل الإمداد واستقرار الأسعار بطرق لا يمكن للاعتماد على الاستيراد وحده تحقيقها. ويختصر الأمر بالقول إن إعادة تدوير الألواح الشمسية اليوم هي حل تكميلي، لكنها قد تصبح خلال العقود المقبلة عنصرًا تحويليًا في منظومة الطاقة، مع تضاعف القدرة المركبة وتزايد أهمية الأمن الصناعي والطاقي.
خاتمة
مع اقتراب موجة التقاعد الجماعي للألواح الشمسية، لم تعد إعادة التدوير خيارًا ثانويًا في قطاع الطاقة الشمسية الأمريكي، بل ضرورة استراتيجية. وتُظهر تجربة OnePlanet أن الروبوتات والأتمتة ليست مجرد أدوات لتحسين الكفاءة، بل مفتاحًا لبناء صناعة إعادة تدوير قادرة على التوسع، وخفض التكاليف، وتعزيز استقلالية سلاسل الإمداد.
في السنوات القادمة، قد يكون السؤال الأهم ليس هل سنعيد تدوير الألواح الشمسية؟
بل كيف وبأي سرعة سنبني القدرات الصناعية القادرة على ذلك؟
📚 المصدر:
pv magazine USA – The role of robotics in boosting U.S. solar recycling capacity



