الإستدامة

بطاريات الصوديوم-أيون في درجات حرارة قصوى: خطوة جديدة لتخزين الطاقة المتجددة عند –100° مئوية

مقدمة

لطالما شكّلت درجات الحرارة شديدة الانخفاض أحد أكبر التحديات أمام أنظمة تخزين الطاقة، سواء في المناطق القطبية، أو البيئات الجبلية القاسية، أو حتى في التطبيقات الفضائية. ففي هذه الظروف، تتراجع كفاءة معظم البطاريات التقليدية بشكل حاد، وقد تفقد قدرتها على العمل كليًا. لكن دراسة بحثية جديدة من الولايات المتحدة تشير إلى أن بطاريات الصوديوم-أيون (Sodium-ion Batteries – SIBs) قد تكون على أعتاب اختراق حقيقي، يفتح الباب أمام تخزين موثوق للطاقة المتجددة في أقسى البيئات المناخية.

إنجاز علمي غير مسبوق عند –100° مئوية

طوّر فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة بوردو (Purdue University) خلية بطارية صوديوم-أيون من نوع pouch cell  قادرة على العمل بثبات في درجات حرارة تصل إلى–100°  درجة مئوية.
ووفقًا للباحثين، تُعد هذه الدراسة أول تقييم عملي وتجربة ميدانية لبطارية صوديوم-أيون تعمل عند هذه الدرجة القصوى من البرودة، مع إثبات استقرار أدائها عند ربطها بمصادر طاقة متجددة حقيقية.

لم يقتصر الاختبار على بيئة مخبرية محكومة، بل شمل:

  • مصادر طاقة متجددة محاكاة
  • مصادر حقيقية من طاقة الرياح والطاقة الشمسية
  • ظروف تشغيل ميدانية قاسية

والنتيجة: أداء مستقر وموثوق، سواء في المختبر أو في الحقل.

لماذا الصوديوم-أيون؟

تُعد بطاريات الصوديوم-أيون بديلًا واعدًا لبطاريات الليثيوم-أيون التقليدية، لا سيما من زاوية الاستدامة وسلاسل الإمداد. فمركبات الصوديوم:

  • أكثر وفرة في الطبيعة
  • أقل حساسية للتقلبات الجيوسياسية
  • أقل اعتمادًا على معادن حرجة محدودة التوفر

ومع ذلك، كان التحدي التقني الأكبر أمام هذه البطاريات يتمثل في الأداء عند درجات الحرارة المتطرفة—وهو ما عالجته هذه الدراسة بشكل مباشر.

تصميم عملي… لا مجرد نموذج مخبري

ما يميّز هذا البحث أنه لم يعتمد على خلية تجريبية معملية صغيرة، بل استخدم تصميم pouch cell قريب من الخلايا التجارية، ما يعزز فرص الانتقال من المختبر إلى التطبيق الواقعي.

يعلّق الباحث الرئيسي فيلاس جي. بول  (Vilas G. Pol)، المؤلف المراسل للدراسة، قائلًا:

“يقدّم بحثنا أول تقييم عملي وتجربة ميدانية لبطارية صوديوم-أيون من نوع pouch تعمل في درجات حرارة فائقة الانخفاض، مع إثبات استقرارها لتخزين طاقة الرياح والطاقة الشمسية حتى –100°  مئوية.”

ويضيف أن اعتماد مكونات متوافقة مع البيئات شديدة البرودة يفتح آفاقًا جديدة أمام نشر أنظمة تخزين طاقة مستدامة في ظروف لم تكن ممكنة سابقًا.

دلالات مباشرة لتخزين الطاقة المتجددة

يمثل هذا التطور نقلة نوعية لتطبيقات محددة تعاني تقليديًا من قيود البطاريات، من أبرزها:

  • المناطق القطبية وشبه القطبية حيث تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات تعيق عمل معظم أنظمة التخزين الحالية.
  • مزارع الرياح والطاقة الشمسية في البيئات الباردة ما يسمح بتخزين محلي للطاقة دون الحاجة إلى حلول تدفئة معقدة أو استهلاك إضافي للطاقة.
  • التطبيقات الفضائية حيث تُعد درجات الحرارة المنخفضة جدًا جزءًا طبيعيًا من بيئة التشغيل. في هذه السياقات، لا تكون الكثافة الطاقية وحدها هي المعيار الحاسم، بل الاعتمادية والاستقرار—وهما نقطتان تُظهر بطاريات الصوديوم-أيون تقدمًا واضحًا فيهما.

خطوة نحو تخزين أكثر استدامة ومرونة

مع تزايد الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة عالميًا، تتزايد الحاجة إلى حلول تخزين:

  • تعمل في مختلف الظروف المناخية
  • لا تعتمد على سلاسل توريد حساسة
  • وتدعم أمن الطاقة على المدى الطويل

تُظهر هذه الدراسة أن بطاريات الصوديوم-أيون ليست مجرد خيار اقتصادي أو بيئي، بل قد تصبح حلًا تقنيًا متخصصًا لسيناريوهات التشغيل القصوى التي تعجز عنها تقنيات التخزين السائدة.

خاتمة

يمثّل نجاح تشغيل بطارية صوديوم-أيون عند –100°  مئوية إنجازًا علميًا وتطبيقيًا مهمًا، يتجاوز حدود المختبر إلى آفاق الاستخدام الواقعي. وإذا ما استُكملت هذه الأبحاث بجهود التوسّع الصناعي، فقد نشهد خلال السنوات القادمة جيلًا جديدًا من أنظمة تخزين الطاقة القادرة على دعم التحول الطاقي حتى في أكثر البيئات قسوة.

بالنسبة للباحثين والمختصين وصنّاع القرار، الرسالة واضحة: التخزين المستدام لا يتعلق فقط بالكلفة والكثافة الطاقية، بل بالقدرة على العمل حيث تفشل الحلول التقليدية.

📚  المصدر:

pv magazine – Sodium-ion battery storage for ultra-low temperatures

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري