الصين تُدشّن أكبر محطة طاقة شمسية بحرية مفتوحة في العالم:
نموذج جديد لدمج الطاقة والتخزين والاقتصاد البحري

مقدمة
في سياق التحول العالمي المتسارع نحو مصادر الطاقة منخفضة الكربون، تواصل الصين ترسيخ موقعها كأكبر مختبر تطبيقي لمشاريع الطاقة المتجددة العملاقة. ففي خطوة غير مسبوقة على مستوى الطاقة الشمسية البحرية المفتوحة، أعلنت الصين عن التشغيل التجاري الكامل لمشروع HG14 بقدرة 1 غيغاواط قبالة سواحل Dongying في مقاطعة Shandong، ليصبح بذلك أكبر مشروع شمسي بحري مفتوح في العالم يدخل حيز التشغيل الفعلي.
هذا المشروع لا يمثل مجرد رقم قياسي جديد من حيث السعة، بل يعكس نقلة نوعية في فلسفة استغلال المساحات البحرية، من خلال الدمج بين توليد الكهرباء، وتخزين الطاقة، والاستزراع المائي، ضمن إطار تنظيمي وتقني متكامل.
من يقف خلف المشروع؟ ولماذا يُعد استثنائيًا؟
تم تطوير المشروع من قبل Guohua Investment، الذراع الاستثماري للطاقة المتجددة ضمن مجموعة China Energy Investment Corp.، إحدى أكبر شركات الطاقة الحكومية في العالم.
ويُعد مشروع HG14 استثنائيًا لعدة أسباب رئيسية:
- أول مشروع شمسي بحري ثابت الركائز (Fixed-pile) بقدرة غيغاواط في الصين
- أول مشروع يحصل على الموافقة ضمن إطار حقوق الاستخدام البحري ثلاثي الأبعاد على المستوى الوطني
- أول مشروع شمسي بحري بهذا الحجم في بحر مفتوح وليس في بحيرات أو خلجان محمية
بلغت الاستثمارات الإجمالية للمشروع نحو 8.1 مليار يوان صيني (حوالي 1.2 مليار دولار)، ما يعكس ثقة عالية في الجدوى التقنية والاقتصادية لهذا النموذج.
الموقع البحري: استغلال ذكي لمساحات غير تقليدية
يمتد المشروع على مساحة تقدر بنحو 1,223 هكتارًا من المياه الساحلية الضحلة، وعلى بعد يقارب 8 كيلومترات من الشاطئ، مع أعماق تتراوح بين 1 و4 أمتار. هذا الاختيار الدقيق للموقع يوازن بين:
- سهولة الإنشاء مقارنة بالمياه العميقة
- تقليل الأثر البصري والبيئي على الساحل
- تحسين ظروف التبريد الطبيعي للألواح الشمسية
ويعكس ذلك توجّهًا استراتيجيًا نحو تحرير مشاريع الطاقة الشمسية من قيود الأراضي، وهي إشكالية متزايدة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية.
تصميم هندسي مقاوم لبيئة بحرية قاسية
أحد أبرز تحديات الطاقة الشمسية البحرية يتمثل في الاستقرار الإنشائي أمام الرياح، والأمواج، والتيارات البحرية، إضافة إلى الجليد الموسمي في المناطق الشمالية. وقد عالج مشروع HG14 هذه التحديات عبر بنية إنشائية ضخمة تشمل:
- 2,934 منصة شمسية فولاذية، بأبعاد 60 × 35 مترًا لكل منصة
- 11,736 ركيزة فولاذية مغروسة في قاع البحر
يعتمد التصميم على نظام الركائز الثابتة، ما يمنح المشروع صلابة عالية واستقرارًا طويل الأمد، ويُعد خطوة حاسمة نحو تعميم الطاقة الشمسية البحرية في مناطق ذات ظروف مناخية قاسية.
وحدات شمسية متقدمة وكفاءة تشغيلية أعلى
يضم المشروع أكثر من 2.3 مليون لوح شمسي من نوع N-type bifacial بقدرة 710 واط للوحدة، مركّبة بزاوية ميل تبلغ 15 درجة. وتُظهر بيانات التشغيل أن البيئة البحرية ساهمت في:
- زيادة كفاءة التوليد بنسبة 5% إلى 15% مقارنة بالمحطات البرية
- تحسين الأداء الحراري نتيجة انخفاض درجات حرارة التشغيل
- الاستفادة من انعكاسية سطح البحر (Albedo)
هذه العوامل مجتمعة تعزز الجدوى التقنية والاقتصادية للطاقة الشمسية البحرية، وتفتح الباب أمام اعتمادها على نطاق أوسع.
الربط بالشبكة والتخزين: تكامل ذكي مع المنظومة الكهربائية
لا يكتمل أي مشروع ضخم للطاقة المتجددة دون حلول فعالة للربط الشبكي وإدارة التذبذب.
وقد تم تزويد HG14 بمنظومة نقل متكاملة تشمل:
- كابلات بحرية بجهد 66 كيلوفولت
- ربط بري بمحطة تحويل بجهد 220 كيلوفولت
إضافة إلى ذلك، يتضمن المشروع نظام تخزين طاقة بقدرة 100 ميغاواط / 200 ميغاواط ساعة، يهدف إلى:
- تعزيز استقرار الشبكة
- تحسين مرونة التشغيل
- دعم الجدولة الذكية للإنتاج
ووفقًا للمطور، ساهم تصميم منظومة النقل في زيادة القدرة الاستيعابية بنسبة 20% وخفض تكلفة الوحدة بنسبة 15%، وهو مؤشر مهم على نضج الحلول الهندسية المستخدمة.
الأثر البيئي والاقتصادي: أرقام بحجم المشروع
من المتوقع أن ينتج المشروع نحو 1.78 تيراواط ساعة سنويًا، وهو ما يغطي قرابة 60% من الطلب الكهربائي في Kenli District
كما يحقق المشروع مكاسب بيئية ملموسة، أبرزها:
- تجنب انبعاث نحو 34 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا
- توفير أكثر من 500 ألف طن من الفحم
هذه الأرقام تعكس الدور المتنامي للطاقة الشمسية البحرية في دعم أهداف الصين للحياد الكربوني.
“الطاقة فوق… والاستزراع تحت”: اقتصاد بحري متعدد الاستخدامات
من أكثر الجوانب ابتكارًا في المشروع اعتماده نموذج “PV-above, farming-below”، حيث يتم الجمع بين:
- توليد الكهرباء فوق سطح الماء
- أنشطة الاستزراع المائي أسفل المنصات
هذا النموذج لا يحقق فقط الاستخدام الأمثل للمساحات البحرية، بل يخلق أيضًا مصادر دخل إضافية، ويعزز قبول المجتمعات الساحلية لمشاريع الطاقة المتجددة.
دلالات استراتيجية تتجاوز حدود الصين
لا يمكن النظر إلى مشروع HG14 بمعزل عن السياق العالمي. فهو يقدم دراسة حالة متقدمة للدول التي:
- تعاني من محدودية الأراضي
- تمتلك سواحل طويلة
- تسعى لدمج الطاقة المتجددة مع الاقتصاد الأزرق
كما يبعث برسالة واضحة مفادها أن الطاقة الشمسية البحرية المفتوحة لم تعد مفهومًا تجريبيًا، بل خيارًا تجاريًا قابلًا للتوسع، خاصة عند دمجه مع التخزين والتصميم الهندسي المتقدم.
الخلاصة
يمثل تشغيل مشروع HG14 بقدرة 1 غيغاواط محطة مفصلية في تطور الطاقة الشمسية البحرية عالميًا. فهو لا يضيف سعة ضخمة فقط، بل يرسّخ نموذجًا متكاملًا يجمع بين الطاقة، والتخزين، والاقتصاد البحري، والاستدامة البيئية.
وبينما تتطلع دول عديدة إلى تحقيق انتقال طاقي عادل ومرن، فإن تجربة الصين في هذا المشروع تطرح سؤالًا استراتيجيًا: هل ستكون البحار هي الحدود الجديدة لتوسّع الطاقة الشمسية عالميًا؟
📚 المصدر
pv magazine
China commissions world’s largest 1 GW open-sea offshore solar project
Vincent Shaw – 29 December 2025



