Grid-Forming: خطوة استراتيجية نحو شبكات كهرباء قائمة على الإلكترونيات بالكامل

مقدمة – في زمن الشبكات الذكية: من يتولّى زمام الثبات الكهربائي؟
في عالم تتسارع فيه وتيرة تبنّي مصادر الطاقة المتجددة، لم يعد السؤال فقط عن إنتاج الكهرباء، بل عن كيفية الحفاظ على استقرار الشبكات عند تقاعد التوليد التقليدي. هذا التحدي فتح الباب أمام تقنية جديدة تُعرف باسم “Grid-Forming” – وهي ليست مجرد تحسين للعواكس، بل إعادة تصميم شاملة لفلسفة تشغيل الشبكات. فهل نحن أمام ثورة هادئة في قلب أنظمة الطاقة؟ وفقاً لما كشفه “روي سون”، نائب مدير مركز تكنولوجيا الشبكات في شركة Sungrow، الإجابة هي: نعم، واللحظة قد بدأت.

ما هي تقنية Grid-Forming؟ ولماذا تُعدّ تحوّلاً جوهريًا؟
تقنية “تشكيل الشبكة” أو Grid-Forming هي نمط متطور من العواكس (Inverters) الكهربائية لا يكتفي بتتبع خصائص الشبكة، بل يشارك فعليًا في تشكيلها والمحافظة على ثبات ترددها وجهدها، كما لو كان مولّدًا تزامنيًا تقليديًا.
توفر التقنية:
- استجابة تُشبه القصور الذاتي (Inertia-like response)
- دعم تردد وجهد ديناميكي
- اجتياز الأعطال (Fault Ride-Through)
- التحكم بالتوافقيات والتحميل الزائد
لكنّ المفارقة أن هذه الخصائص تأتي من أجهزة خالية من الأجزاء المتحرّكة، مبنية على إلكترونيات وقدرات برمجية متقدمة.
من البيئات المعزولة إلى الشبكات الوطنية: أين نجحت التقنية فعليًا؟
بدأت تطبيقات التقنية في بيئات “معزولة” (Off-grid) مثل الجُزر أو المرافق النائية. ومع الوقت، ومع ازدياد الاعتماد على الطاقة الشمسية والبطاريات، بدأت الحاجة إليها في شبكات مرتبطة أيضًا. أحد أبرز التطبيقات العملية هو مشروع أمالا في السعودية:
- 125 ميغاواط من الطاقة الشمسية
- 160 ميغاواط / 760 ميغاواط-ساعة من تخزين البطاريات
- شبكة تعمل بالكامل بدون اتصال بالشبكة العامة
النتيجة؟ إدارة فاعلة للتردد والجهد وتوزيع الأحمال عبر مصادر متعددة، وهو ما لم يكن ممكنًا بدون Grid-Forming
الفرق الفني: كيف تحاكي هذه التقنية سلوك المولدات التزامنية؟
المولد التزامني |
العاكس Grid-Forming | وجه المقارنة |
ميكانيكي طبيعي |
محاكى برمجيًا | القصور الذاتي |
تلقائي بفعل الكتلة |
استجابة برمجية دقيقة |
دعم التردد |
عبر المجال المغناطيسي |
من خلال خوارزميات التحكم |
دعم الجهد |
قوية نسبيًا | تتطلب هندسة خاصة وإدارة حرارية فعالة |
مقاومة الأعطال |
لتحقيق هذا السلوك، طورت Sungrow نظام تبريد عالي الكفاءة، ونُهجًا لتوازن الخلايا ضمن العواكس.
التكلفة والصيانة: هل تُنافس التقنيات التقليدية؟
نعم، وبقوة. المولدات التقليدية تتطلب صيانة دورية بسبب الأجزاء الميكانيكية، بينما العواكس Grid-Forming
- لا تحتوي على أجزاء متحرّكة
- قابلة للتحديث عبر البرامج (Firmware)
- أقل تكلفة على المدى الطويل
في عالم تتسارع فيه تغيرات متطلبات الشبكة، يصبح “المرونة والتحديث” أهم من “الصلابة والجمود”.
العوائق الحالية: أين تتوقف التقنية… حتى الآن؟
🔧 تقنيًا: التنفيذ على نطاق واسع معقد، خصوصًا عند تشغيل عدة عواكس على التوازي، ما يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين وحدات الجهد.
📜 تنظيميًا: لا تزال الأطر التشريعية متفاوتة:
- الصين تفرض قواعد على دعم التردد وسلوك الأعطال
- ألمانيا تُلزم بخدمات القصور الذاتي بدءًا من 2026
- أستراليا والمملكة المتحدة تتصدران من حيث اختبارات الأداء
- أمريكا (وخاصة تكساس) تلحق بالركب
💲 اقتصاديًا: الفرق في الكلفة التشغيلية والمزايا التقنية يجعل الاستثمار مجديًا على المدى الطويل، رغم ارتفاع كلفة التأسيس نسبيًا.
نحو معيار صناعي جديد: هل تحلّ Grid-Forming محلّ العواكس التقليدية؟
في رأي المختصين، الاتجاه واضح:
- Grid-Forming ستكون الخيار الافتراضي للمشاريع المستقبلية
- الحوادث مثل انقطاع الشبكة في إسبانيا أظهرت الحاجة لوجود مصادر “تُشكّل” الشبكة لا “تتبعها”
- المشغّلون يتجهون نحو متطلبات أكثر صرامة تتطلب أداء أعلى، ورغم وجود دعاوى لنموذج هجين، إلا أن السوق – والتشريعات – يسير في اتجاه ترجيح الكفة نحو Grid-Forming
الخاتمة – من ثبات الطاقة إلى ثبات السياسات: توصيات المرحلة القادمة
إذا كانت الطاقة المتجددة هي الطريق إلى مستقبل نظيف، فإن Grid-Forming هي البنية التحتية التي ستدعم هذا الطريق بثبات.
التوصيات:
- تسريع التجارب الميدانية وتوسيع نطاق الاستخدام
- مواءمة القوانين التنظيمية عالميًا لتشجيع الاستثمار
- تعزيز التعاون بين المصنعين، المطورين، الأكاديميين، وهيئات الشبكة
الرسالة واضحة: هذه التقنية لم تعد “تجريبية”، بل باتت جزءًا أساسيًا من منظومة الطاقة الحديثة – ومن الأفضل أن نبدأ في بناء شبكاتنا على هذا الأساس.
📚 المصدر:
ESS News. “Grid-forming technology is no longer experimental – it’s here and working”, July 2025