نحو طاقة نظيفة 100٪: كيف تشتري الشركات الطاقة المتجددة بفعالية وأثر حقيقي؟
مع تصاعد التحديات المناخية وتعقيد مشهد الاستدامة العالمي، لم يعد مجرد شراء “شهادات طاقة متجددة” كافياً لإحداث فارق حقيقي. بل باتت الشركات الرائدة تبحث عن استراتيجيات شراء قائمة على السببية، التعاون، والفعالية الانبعاثية (Emissionality)، لضمان أن استثماراتها في الطاقة المتجددة تؤدي فعلياً إلى مشاريع جديدة وخفض ملموس لانبعاثات غازات الدفيئة.
ثلاثية الشراء الذكي: السببية، التعاون، والانبعاثات
لكي يكون شراء الطاقة المتجددة فعالاً بيئياً ومجدياً مالياً، تحتاج الشركات إلى اعتماد ثلاث ركائز أساسية:
- السببية من جهة المشتري – أي أن الشراء يجب أن يكون سبباً مباشراً في تطوير مشروع طاقة نظيفة جديد.
- التعاون الجماعي – توحيد مشتريات الشركات ذات الاستهلاك المحدود لبلوغ الحد الأدنى لمشاريع المرافق.
- الفعالية الانبعاثية – توجيه الشراء نحو المناطق التي تُحدث فيها الطاقة المتجددة أعلى خفض للانبعاثات.
ما وراء الشهادات: لماذا لم تعدEnergy Attribute Certificates (EACs) كافية؟
رغم أن شهادات الطاقة النظيفة (EACs) تُستخدم على نطاق واسع لإثبات استخدام الطاقة المتجددة، إلا أن كثيراً منها يُشترى من السوق الثانوية، من مشاريع قائمة منذ أكثر من عقد، دون أي أثر إضافي في خفض الانبعاثات أو تحفيز مشاريع جديدة. وتزداد المخاوف من أن تتحول سوق EACs إلى مصير مشابه لسوق تعويضات الكربون: مليئة بالادعاءات الفارغة وضعيفة المصداقية.
(PC EACs) Project Catalyzed Energy Attribute Certificates الشهادات التي تُحدث فرقاً
لذلك، تتجه الشركات المتقدمة نحو ما يُعرف بـ “شهادات الطاقة الناتجة بفعل المشتري” (PC EACs)، وهي شهادات تُثبت أن شراء الشركة كان سبباً مباشراً في تنفيذ مشروع جديد للطاقة النظيفة.
ثلاثية التحقق من السببية:
- عقد تمويل شامل للطاقة والشهادات.
- مدة التزام لا تقل عن 10 سنوات.
- قدرة جديدة لا تقل عن 40 ميغاواط.
وحتى الشركات التي لا تستهلك هذا الحجم يمكنها المشاركة عبر الشراء المجمع.
التعاون قوة: كيف تفتح الاتفاقيات المجمعة سوق الطاقة للجميع؟
أحدثت اتفاقيات شراء الطاقة الافتراضية المجمعةVirtual Power Purchase Agreements (VPPAs) نقلة نوعية في السوق، حيث تجمع بين عدة شركات لتشكيل طلب موحد وقوي، يتيح لها المشاركة في مشاريع كبيرة للطاقة المتجددة.
هذا التعاون لا يفتح المجال للشركات فحسب، بل يعزز أيضاً فرص التمويل للمطورين، ويرفع من مصداقية المشاريع وفعاليتها.
وعلى المدى الطويل، قد تُحقق هذه العقود أرباحاً أو على الأقل تُخفّض التكاليف بفضل الاستقرار المالي وتحسّن أداء السوق.
الانبعاثات أولاً: كيف تختار مواقع الشراء بذكاء مناخي؟
هنا يأتي مفهوم Emissionality – وهو اختيار موقع المشروع بناءً على كثافة انبعاثاته، وليس فقط على القرب الجغرافي أو السعر.
مثال عملي:
شركة في بوسطن اشترت طاقة متجددة من ولاية إلينوي ذات الاعتماد العالي على الفحم، ما أدى إلى خفض انبعاثات أعلى مما كانت ستحققه على شبكة ماساتشوستس الأنظف أصلاً.
الرسالة واضحة: المكان الذي تشتري منه طاقتك المتجددة مهم بقدر أهمية الشراء نفسه.
التحدي القادم: الحاجة إلى معايير أكثر دقة
رغم النمو المتسارع في الطلب على مشتريات قائمة على السببية والانبعاثات، لا تزال المعايير العالمية غير قادرة على التمييز بين الشهادات الفعالة وغير الفعالة.
آن الأوان لأن تعترف الأسواق والمعايير التنظيمية رسمياً بـ PC EACs كمصدر موثوق وفعّال للطاقة المتجددة، وبذلك توجه الاستثمارات نحو المشاريع ذات الأثر المناخي الحقيقي.
خاتمة
في عالم لم يعد فيه الاكتفاء بالرمزية كافيًا، تتجه الشركات الواعية إلى تبنّي نهج أكثر نضجًا وواقعية في مشتريات الطاقة المتجددة. لم يعد الهدف مجرد “الإعلان الأخضر”، بل إحداث فرق ملموس على الأرض وفي الجو. من خلال التركيز على السببية، التعاون، والفعالية الانبعاثية، يمكن تحويل كل كيلوواط يتم شراؤه إلى خطوة حقيقية نحو شبكة كهرباء خالية من الكربون.
ومع نضوج السوق، ستزداد الحاجة إلى أدوات تحقق صارمة، ومعايير عالمية تعترف بأن ليست كل شهادة طاقة متجددة متساوية في الأثر. إن الاعتراف الرسمي بـ PC EACs ومعايير Emissionality ليس فقط ضرورة بيئية، بل شرط أساسي لتحسين كفاءة تخصيص الاستثمارات في التحول الطاقي العالمي.
التحول نحو طاقة نظيفة 100٪ لا يتم بشراء الشهادات، بل بشراء التغيير نفسه.
