دول الخليج تسير على الطريق الصحيح للاستثمار في الطاقة المتجددة
بدأت دول الخليج المهتمة بالتحول الاقتصادي في التركيز على التنويع، مع تطوير بنية تحتية قوية للطاقة المتجددة. ومع توسع التطورات الحضرية والسكانية في جميع أنحاء منطقة الخليج، يتزايد الطلب على الكهرباء بسرعة، ومن المتوقع أن تحتاج المنطقة إلى 100 جيجاوات أخرى من الطاقة خلال العقد المقبل لتلبية هذا الطلب. علاوة على ذلك، فإن العديد من سبل التنويع الاقتصادي، مثل الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية ومناطق الجذب السياحي، تستهلك الكهرباء بكثافة، مما يزيد من الحاجة إلى مصادر طاقة كافية ومستدامة.
وفي الوقت نفسه، ومع تزايد عدد السكان في منطقة تواجه درجات حرارة عالية معظم أيام العام، فإن الطلب المتزايد على تكييف الهواء سيضع أيضًا ضغوطًا جديدة على توليد الكهرباء. وتعد الطاقة المتجددة عنصرا أساسيا في تلبية هذا الطلب المتزايد، ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فإنها ستلبي 35 في المائة من توليد الطاقة العالمية بحلول عام 2025.
وقد أظهرت هذه المنطقة اتجاهاً إيجابياً في هذا المجال، حيث نشطت دول الخليج في إقامة تعاون إقليمي ودولي عابر للحدود لتطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة. ففي الأول من مايو/أيار، على سبيل المثال، أبرمت شركة مصدر للطاقة المتجددة المملوكة للدولة في الإمارات العربية المتحدة اتفاقية شراكة مع شركة بابكو للطاقة، ذراع الطاقة والاستثمار في البحرين، لتطوير مزارع الرياح القريبة من الشاطئ والبحرية في البحرين.
وفي الأسبوع نفسه، وقعت شركة الهيدروجين الأخضر العمانية هيدروم اتفاقيات بقيمة 11 مليار دولار مع شركات عالمية، بما في ذلك شركة EDF الفرنسية المملوكة للدولة. وسيؤدي ذلك إلى إنشاء مشروعين جديدين للهيدروجين الأخضر في ظفار. تزامنا مع ذلك، وقعت شركة نفط الكويت مذكرة تفاهم مع وزارة الكهرباء والمياه والطاقة المتجددة الكويتية لتنسيق الجهود لتوليد 1 جيجاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية.
ومع التعرض الوفير لأشعة الشمس والرياح ومساحات كبيرة من الأراضي غير المستغلة، فإن دول الخليج في وضع جيد يسمح لها بالاستفادة من الموارد الطبيعية من أجل الطاقة المستدامة. يسمح التعرض لأشعة الشمس العالية لمحطات الطاقة الشمسية بالعمل لفترات أطول. ومن الجدير بالذكر أن تكلفة توليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية في دول مجلس التعاون الخليجي الآن تقل عن سنتان لكل كيلوواط/ساعة، وبالتالي فهي الخيار الأرخص لتوليد الطاقة.
ويشكل تعزيز توليد الطاقة المتجددة أيضًا جزءًا من التزام دول الخليج بالحد من انبعاثات الكربون وتحقيق أهدافها المتمثلة في خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر. ومن خلال مشاركتها في مؤتمرات القمة البيئية الدولية البارزة مثل مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التزمت المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة بخفض صافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050. علاوة على ذلك، بعد التصديق على اتفاقية باريس و ومع اعترافها باعتمادها الكبير على الوقود الأحفوري، فقد عملت دول الخليج بنشاط على إنشاء البنية التحتية والخطط اللازمة للحد من الانبعاثات.
وينعكس هذا الالتزام أيضًا في بيانات الرؤية الوطنية للدول. وكجزء من رؤيتها لعام 2030، تعمل المملكة العربية السعودية على تنويع مصادر الطاقة واقتصاد الكربون الدائري، حيث ستوفر المصادر المتجددة، بحلول عام 2030، 50 بالمائة من احتياجات المملكة من الطاقة. تضاعف إجمالي قدرة الطاقة المتجددة المثبتة في المملكة العربية السعودية ثلاث مرات في عام 2023، وهي مستمرة في القيام باستثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وبالمثل، تهدف استراتيجية الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة 2050 إلى جعل الدولة خالية من الكربون بحلول عام 2050.
وبعيداً عن فوائد أمن الطاقة واستدامتها في الداخل، فإن التزامها بالطاقة المتجددة سمح أيضاً لدول الخليج بتعزيز علاقاتها الدولية، فضلاً عن جذب وتوفير الاستثمار الأجنبي. وفي الأسبوع الأول من شهر مايو وحده، وقعت المملكة العربية السعودية شراكات في مجال الطاقة المتجددة مع أذربيجان وموريتانيا وأوزبكستان. والجدير بالذكر أن المملكة تجري أيضًا محادثات مع الاتحاد الأوروبي لتحديد سبل التعاون في مجال الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون. كما استضافت أسبوع الطاقة الخضراء في المملكة العربية السعودية في شهر مارس، حيث اجتمع قادة الصناعة المحليون والدوليون لمناقشة الفرص والتحديات التي تواجه سلسلة قيمة الطاقة.
ولذلك فإن المنطقة تسير على الطريق الصحيح لبناء بنية تحتية قوية ومستدامة للطاقة المتجددة التي لا يمكنها تلبية الطلب المحلي فحسب، بل يمكنها أيضًا دعم الاستهلاك الدولي. وقد نشطت الشركات المملوكة للدولة في توفير الدعم المالي والتنظيمي اللازم لهذا المسعى، وبينما لعب القطاع الخاص أيضًا دورًا، لا يزال هناك مجال لمزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص. على سبيل المثال، وفقاً للمساهمات المحددة وطنياً لدولة الإمارات العربية المتحدة بموجب اتفاقية باريس، تحتاج الدولة إلى استثمارات يبلغ مجموعها حوالي 36 مليار دولار لتحقيق أهدافها المناخية بحلول عام 2030.
واليوم، لم تعد الطاقة المتجددة مجرد خيار، بل ضرورة لتعزيز التحولات الاجتماعية والاقتصادية الجارية في منطقة الخليج. فهو يضيف الاستدامة إلى التنمية الاقتصادية، ويتيح فرصا كبيرة للتوظيف وتنمية المهارات ويزيد من ثقة المستثمرين الدوليين في المنطقة.