الإستدامةتخزين الطاقة

التخزين الحراري باستخدام الملح المنصهر: ثورة في استدامة محطات الطاقة الشمسية الحرارية

مقدمة

إن التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة يأتي بتحديات واضحة، فالشمس لا تشرق ليلًا والرياح لا تهب دائمًا. إن هذه التقلبات الطبيعية في وفرة مصادر الطاقة المتجددة تؤدي إلى عدم تطابق إنتاج الطاقة مع مستوى الطلب في معظم الأحيان. ولهذا، فإن تقنيات تخزين الطاقة بأشكالها ستلعب دورا مهما في المستقبل لمواجهة تحدي موسمية إنتاج معظم مصادر الطاقة المتجددة.

سوف نتعرف اليوم على إحدى أكثر الطرق انتشارًا في البلاد العربية وهي تخزين الطاقة حرارياً باستخدام الملح المذاب.

مبدأ تخزين الطاقة المتجددة حرارياً في الملح المذاب   Molten Salt

تتم هذه العملية غالباً في محطات الطاقة الشمسية المركزة (Concentrated Solar Power – CSP) والتي يقوم مبدأ عملها على توظيف المرايا لتسخين سائل خاص يقوم بنقل الحرارة عن طريق المبادل الحراري إلى المياه لإنتاج البخار اللازم لإدارة العنفة لتوليد الكهرباء.

ولكن لتخزين الطاقة، يتم تعديل النظام باستبدال السائل بملح مذاب في الماء ويتم توجيه الماء المالح عبر الأنابيب أمام المرايا ليسخن وثم يخزن في خزان خاص لحين الحاجة لتوليد الطاقة الكهربائية. وعند الحاجة للكهرباء، يتم توجيه هذا السائل نحو المبادل الحراري والذي يصله الماء بنفس الوقت من خزان آخر لتحدث عملية التبادل الحراري ويتم تسخين الماء وإنتاج البخار وتوجيه البخار لإدارة عنفة لتوليد الكهرباء.

كيف يعمل نظام التخزين الحراري بالملح المنصهر؟

يعتمد النظام على خزانات الملح المنصهر، حيث يتم استخدام خليط من أملاح النترات (مثل نترات الصوديوم ونترات البوتاسيوم) التي تتميز بقدرتها العالية على امتصاص الحرارة وتخزينها. يعمل النظام كالتالي:

  1. امتصاص الحرارة: يتم تسخين الملح المنصهر في المستقبلات الشمسية حتى يصل إلى درجات حرارة تصل إلى 565  درجة مئوية.
  2. التخزين في الخزانات الساخنة: يتم تخزين الملح الساخن في خزانات معزولة حراريًا للحفاظ على الطاقة.
  3. استخدام الحرارة عند الحاجة: عند الحاجة إلى إنتاج الكهرباء، يتم تمرير الملح الساخن عبر مبادلات حرارية لتوليد بخار عالي الضغط، والذي بدوره يشغل التوربينات لإنتاج الكهرباء.
  4. إعادة التدوير: بعد تبريد الملح إلى درجات حرارة أقل، يتم تخزينه في خزانات باردة لإعادة تسخينه لاحقًا.

فوائد التخزين الحراري بالملح المنصهر

  1. استقرار إنتاج الطاقة

يسمح النظام بتوفير الطاقة حتى بعد غروب الشمس، مما يعزز استقرار الشبكة الكهربائية ويجعل محطات الطاقة الشمسية بديلاً حقيقيًا لمحطات الوقود الأحفوري.

  1. كفاءة تشغيلية عالية

يتميز النظام بكفاءة تشغيلية تتجاوز 90%  في استرجاع الحرارة، وهو ما يجعله أكثر فاعلية مقارنة بأنظمة البطاريات التقليدية.

  1. عمر افتراضي طويل

تتمتع خزانات الملح المنصهر بعمر افتراضي يزيد عن 30 عامًا مع صيانة منخفضة نسبيًا، مما يجعله استثمارًا اقتصاديًا طويل الأجل.

  1. تقليل الأثر البيئي

لا يتطلب النظام استخدام مواد كيميائية معقدة أو نادرة، مما يقلل من البصمة الكربونية مقارنة بالبطاريات الكهربائية مثل الليثيوم-أيون.

أنظمة استخدام الملح المذاب

  1. نظام الخزانين

هنا يكون الملح المذاب هو السائل الناقل للحرارة والسائل الذي يقوم بتخزين الحرارة، حيث يتم التخزين في خزانين: أحدهما للسائل عندما يكون ساخنًا بعد مروره أمام المرايا العاكسة، والخزان الآخر يحتفظ بالسائل بعد خروجه من المبادل الحراري حيث يكون خسر حرارته في تسخين الماء وتبخيره.

  1. نظام التدرج الحراري (الخزان الواحد)

يستخدم خزانًا وحيدًا بحيث تنقسم الطبقات الحرارية داخله بسبب اختلاف درجة الحرارة. يتميز هذا النظام بانخفاض تكاليفه حيث يحتاج إلى تمديدات أقل ويستخدم خزانًا وحيدًا بدلاً من اثنين، مما يقلل التكلفة بنسبة 35%  مقارنة بنظام الخزانين.

المشاريع العربية التي تعتمد على الملح الذائب Molten Salt في تخزين الطاقة

  1. مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية (الإمارات العربية المتحدة)

تعتبر المرحلة الرابعة من المجمع أكبر مشروع استثماري عالمي يجمع بين الطاقة الشمسية المركزة والطاقة الكهروضوئية، بطاقة تخزين حراري تصل إلى 15  ساعة باستخدام الملح المذاب، مما يسمح بتوفير الطاقة على مدار 24  ساعة.

https://arabic.cnn.com/
  1. مشروع نور ورزازات (المغرب)

يعد أحد أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، حيث يعتمد على تخزين الطاقة باستخدام الملح المذاب:

  • نور 1:  تخزين لمدة 3  ساعات
  • نور 2:  تخزين لمدة 6  ساعات
  • نور 3:  تخزين لمدة 7.5  ساعات
https://howiyapress.com/

الإحصاءات والاتجاهات الحديثة

وفقًا لتقرير صادر عن شركة  Mordor Intelligence، من المتوقع أن ينمو سوق تخزين الطاقة الحرارية باستخدام الملح المنصهر بمعدل نمو سنوي مركب يزيد عن 1.50% خلال الفترة المتوقعة. تأثر السوق بشكل طفيف بتفشي فيروس كورونا، ولكن من المتوقع أن يؤدي زيادة استهلاك الكهرباء، وانخفاض تكلفة تخزين الطاقة لكل كيلووات، ودفع الحكومات نحو الوقود النظيف إلى تعزيز السوق.

بالإضافة إلى ذلك، يشير تقرير آخر إلى أن سوق تخزين الطاقة الحرارية العالمي يُقدر بـ1.12 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.51 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6.25% خلال الفترة المتوقعة. يُعزى هذا النمو إلى زيادة الاعتماد على تقنيات الطاقة الشمسية المركزة (CSP) مع أنظمة تخزين الطاقة الحرارية.

فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي، تُعتبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ من بين أهم مستخدمي محطات الطاقة الشمسية المنصهرة، ومن المتوقع أن تنمو بشكل أسرع خلال الفترة المتوقعة، مع قيادة الهند والصين لهذا النمو. على سبيل المثال، في يوليو 2022، أعلنت شركة شينهوا لتوليد الطاقة عن بدء مشروع طاقة شمسية جديد بقدرة 1 جيجاوات في بوتشو، الصين، يتضمن 100 ميجاوات من برج الطاقة الشمسية المركزة باستخدام الملح المنصهر كسائل تخزين حراري، مع تخزين 900 ميجاوات من الطاقة الشمسية لمدة 8 ساعات.

الخلاصة

يمكن أن يعمل الملح المذاب كأسلوب تخزين حراري واسع النطاق من شأنه أن يرفع من جدوى مصادر الطاقة المتجددة عن طريق تخفيف التقلبات في الطلب والطقس. كما أنه أسلوب صديق للبيئة و حتى في حال حدوث تسريبات للمحلول فإنه غير ضار بالبيئة بل قد يعمل كسماد في بعض الأحيان. و لكن يبقى التحدي الأكبر اليوم هو السعر المرتفع و محدودية الجدوى الاقتصادية على المشاريع الضخمة.

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري